strong>إبراهيم عوض
يتحدث السفير الفرنسي برنار إيمييه براحة وصراحة عندما يكون المتحدث اليه صديق لبناني قديم تعرّف اليه في باريس. إلا أن الحديث يكتسب نكهة خاصة إذا كان صديق الأمس من أقطاب المعارضة اليوم.
هذا ما حصل الأسبوع الماضي حين التقيا في «قصر الصنوبر» بعد أن مضى على اجتماعهما السابق أكثر من ستة أشهر وتزامن يومئذ مع بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان.
يقر السفير إيمييه لصديقه المعارض بالهزيمة التي لحقت بإسرائيل جراء هذا العدوان ويحصر أسبابها بثلاثة عوامل. العامل الأول ضعف القيادة السياسية والعسكرية في «تل ابيب» المتمثلة برئيس الحكومة ايهود اولمرت ووزير الدفاع عامير بيرتس. والعامل الثاني إخفاق هذه القيادة في تنفيذ تعهدها استعادة الجنديين الأسيرين لدى «حزب الله» اللذين اتخذت من قضيتهما ذريعة لشن الحرب على لبنان، قبل أن يتراجع الحديث عنهما خلال مراحل الحرب وبعدها حتى كاد يطويه النسيان. أما العامل الثالث فتمثل بقدرة «حزب الله» العسكرية وبراعته القتالية مع إشارة فرنسية هنا تقول إن حروباً من هذا النوع تتوقف على شخصية القائد التي يعّول عليها سواء في إحراز النصر أو إلحاق الهزيمة.
وبعيداً عن الحرب يبدي القطب المعارض تخوفه مما آلت اليه الأمور في الداخل اللبناني خصوصاً لجهة إثارة النعرات المذهبية، ويتوجه الى السفير ايمييه محذراً بأن البلاد على شفير فتنة مدمرة تقتضي موقفاً فرنسياً مغايراً للموقف الاميركي. وقد وافقه الأخير القول وأبدى بدوره خشيته على الوضع في لبنان اذا استمر الشحن الطائفي وتصاعدت وتيرته وحصلت أحداث على غرار ما جرى يوم الخميس في الخامس والعشرين من الشهر الماضي. الا أنه أبلغ صديقه القطب المعارض تأييد باريس ودعمها للمبادرة التي يقوم بها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، كما رد على استنفسار صديقه في شأن الموقف الأميركي من هذه المبادرة بالقول إن الأميركيين لن يعارضوها وسيمشون بها.
وفي هذا السياق بدت وجهات نظر الصديقين اللبناني والفرنسي متقاربة حيال الاتفاق الذي تم التوصل اليه في مكة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس. إذ يرى الاثنان أن الاتفاق المذكور ليس ثمرة جهود عربية وحدها وهو لم يكن ليتم لولا وجود اتجاه لدى الإدارة الأميركية بعدم معارضته في الوقت الحاضر لحسابات سياسية خاصة، أولاها الوضع المتدهور في العراق وما تعانيه القوات الأميركية جراءه، ورغبة هذه الادارة في تحقيق بعض الانفراج في الملف الإسرائيلي الفلسطيني لعله يخفف من الإخفاقات التي تلحق بها نتيجة لسياستها المضطربة في المنطقة. ومن هنا يخلص القطب المعارض الى استنتاج مفاده ان ما جرى في مكة قد يتكرر بالنسبة الى لبنان إذا ما بقيت الولايات المتحدة على موقفها السابق لافتاً في الوقت نفسه الى أن ما صدر أخيراً عن سفيرها في بيروت لا يعكس هذه الصورة مطلقاً، واذا ما أُضيفت إليها المواقف التي أطلقها أمس كل من النائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع في الذكرى الثانية لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لبدا التشاؤم في الواجهة.
ولدى إثارة القطب المعارض مسألة حصول المعارضة على الثلث الضامن في حكومة الوحدة الوطنية المطلوب تأليفها وشرحه لأحقية مطلبها هذا، انتقد كلام وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي الذي أعلن فيه معارضته لهذا الطلب، مؤكداً أن «أقل ما يمكن قوله في هذا الموقف أنه تدخل في الشأن اللبناني وبالجرم المشهود»، الأمر الذي حمل ايمييه على الرد بسؤال صديقه اللبناني: «هل تعتقدون أننا وحدنا الذين نتدخل في الشؤون اللبنانية؟».
ولم تفت القطب المعارض في جلسته مع صديقه السفير الإشارة الى «الفرنكوفونية» لافتاً الى أنها آخذة في التراجع في لبنان «بعد أن توجّه أبناؤنا الى اللغة الإنكليزية مع ما يعنيه ذلك من خسارة فرنسية أمام «الزحف الأميركي هنا وهناك». إلا أن السفير ايمييه أوضح لمحدثه أن بلاده متنبّهة لهذا الأمر وعازمة على مواجهته حفاظاً على ديمومة الفرنكوفونية.
وقبل أن يودع السفير الفرنسي صديقه القطب المعارض شكا له ما تنشره عنه «الأخبار» واصفاً إياها بأنها «متخصصة في التهجم عليه»، لينضم بذلك الى زميله السفير الأميركي جيفري فيلتمان الذي سبق له أن أبلغ وزير الخارجية فوزي صلوخ (قبل استقالته) شكوى مماثلة.