نادر فوز
استيقظ أهالي ساحة ساسين وضواحيها على أنغام «الأشرفية البداية بداية البشير، الأشرفية الحكاية حكاية التحرير» التي تبثّها مكبّرات الصوت القواتية تارةً والكتائبية تارةً أخرى. بدت الساحة خاليةً تماماً رغم اقتراب موعد التجمّع «الاستقلالي». مشهد شبيه بأيام «الإحباط المسيحي» ومقاطعة الانتخابات النيابية، رغم «أهمية» المناسبة. مقاهي «المنطقة» أقفلت أبوابها أمام زبائنها الاعتياديين، فيما أبقت محال بيع الحلوى والفطور أبوابها مشّرعة لزبائن لم يقصدوها. موظفو «كيوسكات» بيع الصحف والمجلات حضروا أيضاً، إلا أنّ «البيع خفيف» هذا الصباح.
حتى «العم» جان الذي اعتاد أن يحمل صباحاً بطاقته الخاصة بإحدى الجمعيات الإنسانية ليدور على زبائن المقاهي مطالباً بـ«ألف ليرة للعودة إلى النبعة»، حضر لكنه اكتفى بالجلوس على أحد المقاعد. أخفى هذه البطاقة في جيبه وراح يدردش مع بعض العناصر الأمنيين المدنيين المنتشرين في كل أنحاء «ساسين»، فيما توّزع أفراد من الجيش اللبناني وآلياتهم على المفارق الأساسية التي تربط «ساسين» بالمناطق المجاورة.
تمثال الرئيس المغدور بشير الجميّل، «شهيد الجمهورية»، بدا يتيماً رغم مؤانسة بعض المواكب «المسيحية» الفردية له. وجوه تضحك، وأغانٍ «بشيرية» تحيّي الساحة «الصامدة»، حيث صرخت المدافع «إيدك عن لبنان» حين «دق الخطر على البْواب» وشبكت البواريد وقت الصلاة لتقفل الباب «على الأعداء وحماية لبنان الغالي».
«الجيب» الحامل لمكبّرات الصوت يعود من جديد، لكن بزينة أخرى؛ إذ استُبدلت شعارات القوات بأعلام الكتائب بينما ظل «الشبان» أنفسهم بنظاراتهم «البشيرية» المعتادة وبزّاتهم العسكرية الاعتيادية وبهجتهم المستغربة رغم «العمل الإرهابي» أمس.
أما على مدخل مدرسة الحكمة، فتجمّع عدد من «أبناء المنطقة» المدعومين بمكبرات الصوت وأعلام القوات اللبنانية في ظل غياب العلم اللبناني الموحّد. بدا الحنين واضحاً إلى ميليشيا القوات اللبنانية سابقاً، فبثّت أناشيد سلاح الإشارة والبحرية والهندسة، كما حضرت أعلام فرقة الصدم المتميّزة بالجمجمة واللون الأسود. قلّة الحشد دفعت أحد المنظمين للتفسير «العالم علقانة على نهر الموت، والبوسطات مشت من بشرّي وكسروان».
من الطريق العام الممتدة من «الحكمة» حتى «التباريس»، التزمت قوى أمن الداخلي الأمن والتفتيش في ظل غياب واضح لعناصر الجيش اللبناني. كما قطعت الطرقات على السيارات من «نزلة الخارجية» حتى «الرينغ»، واستثنت المواكب الرسمية من هذا القرار.
حاجز أول نظمه عناصر من الدرك عند حديقة جبران تويني (الجدّ)، حيث قاموا بتفتيش جميع المارة، فيما اكتفى الشبّان المنظمون المزيّنون بـ«عن جد اشتقنالك» بالنظر دون المشاركة في تأمين الأمن والحماية.
عند نزلة الجميّزة صفوف عديدة من القوى الأمنية المشتركة، من عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي، فصلت مدخل ساحة البرج عن الطريق المؤدية إلى شارع الجميّزة. حاجز آخر نصبته قوى الأمن الداخلي ونفذّت الإجراءات نفسها. جحافل المشاركين في «الذكرى»، القادمين من التباريس والجميّزة والدورة اجتمعوا على مقربة من «بيت الكتائب» وسط تعليمات أمنية مشددة.
في ساحة «الضريح» الضيّقة لوحظ وجود عدد كبير من الشبان بلباس شبه عسكري، يلبسون قمصاناً سوداء اختلفت شعاراتها: «نسور الجبال - شبعا» و«نمور طريق الجديدة»؛ أجساد ضخمة مخبّأة وراء نظارات شمسية وسراويل كاكية، تحدّق بالمشاركين بلا ملل. «من هم هؤلاء العناصر؟» يسأل أحدهم لينال الجواب فوراً «إنهم جماعة الشيخ سعد».
رغم التغييرات التي طرأت على الهتافات بين ساحتي «المعارضة» وساحة «الشهيد»، لم تختلف الوجوه المشاركة في المكانين. حتى إنّ رائحة التعب والاستغلال والقيود هي نفسها. فالحالة الاجتماعية لم تتغيّر، إنما طُرحت في سياقين مختلفين ضيّعا النقاط المشتركة بين الصفّين.