منهال محمود الأمين
كعادته، كان يوم الضاحية صاخباً. أقفلت المدارس أبوابها، خاصة ورسمية، وزاد في نسبة الاقفال قرار وقف التدريس الذي اتخذته كل من المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم (مدارس المهدي) التابعة لحزب الله، ومؤسسات أمل التربوية وجمعية المبرات الخيرية (التابعة لمؤسسات السيد محمد حسين فضل الله)، ومدارس المصطفى (جمعية التعليم الديني)، إضافة إلى عشرات المدارس الخاصة الأخرى.
أما أن يكون نهار الضاحية صاخباً في يوم أعلنته «الحكومة اللبنانية» عطلة رسمية، فذلك لأنّ طلاب الضاحية استغلّوا هذا اليوم كل على طريقته، وكبارها لم يتوجهوا الى ساحة الشهداء لإحياء ذكرى رئيس وزراء لبنان الأسبق. لا كرهاً بالرجل وهم الذين ارتشفوا قهوة الصباح وهم يطالعون رسالة سيد المقاومة في ذكراه، بل «نفوراً من القوى والشخصيات التي تصر على الفرقة»، كما قال محسن الذي جلس في المقهى أمام شاشة كبيرة يراقب توافد الحشود الى مكان الاحتفال.
ويرى محسن في الحشود أمراً متوقعاً، ففريق 14 آذار يمثل شريحة واسعة من الشعب اللبناني، وذكرى الرئيس الحريري تجذب الجميع بمن فيهم 8 آذار، إلا أن الظروف تمنعهم من المشاركة. وربما تأكدت لمحسن وغيره من أبناء الضاحية هذه الهواجس بعد سماع ما جاء على ألسنة القوم الغاضبة في ساحة الشهداء.
«الفريق الآخر يصرّ على أن تكون الذكرى موضع خلاف لا إجماع»، يقول علي، صاحب محل تجاري في أحد أسواق الضاحية. لم يلتزم علي الإقفال، على رغم أنّه يحترم الذكرى وصاحبها. إلا أن الحالة الصعبة تفرض عليه العمل حتى في الأعياد والعطل. وهذا الأمر انسحب على المحال التجارية والأسواق, حيث كانت الحركة طبيعية وشهدت إقبالاً ربما أكثر بسبب التعطيل.
وفيما ذكرت الوكالة الوطنية أن الإقفال العام شمل أسواق الضاحية، فإن الأمر اقتصر على جمعية سوق معوض التجاري، وكان الالتزام حتى الحادية عشرة ظهراً، حيث عاود أغلب التجار فتح متاجرهم. سوق برج البراجنة عاش يوماً عادياً، ومثله حي السلم والشياح والغبيري وبئر العبد واتوستراد هادي نصر الله، وما بقي من سوق حارة حريك.
أما دور النشر المنتشرة بكثرة في الضاحية والتي تهدم معظمها في حرب تموز، فعاودت نشاطها في مقارها الجديدة. ولم تبلغ نسبة الاقفال بينها 10 % . ويعلق أحد أصحاب دور النشر على عدم التزامه قرار التعطيل بأن «القيامة قامت حين دعت المعارضة للإضراب بحجة أنّ هذا شلّ للبلد والاقتصاد، فهل يرضى الرئيس الحريري أن يشل البلد باسمه؟». يسأل صاحب دور النشر ويجيب: «في لبنان صيف وشتاء تحت سقف واحد، ابن ست وابن جارية، يجوز لي ولا يجوز لك»... 14شباط 2007، عاشت الضاحية التي ما زالت تلملم أشلاءها يوماً عادياً، عين على خيمها في الساحتين، وعين على شعب «14 آذار» في «نصف» ساحة لم تعد تحمل اسماً، بل جرحاً لا يندمل.