strong>خيم الهدوء على وسط بيروت بالرغم من الحشد الذي حضر لإحياء الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري. وبالرغم من تخوف المواطنين من احتكاك بين مؤيدي الموالاة ومؤيدي المعارضة، نجحت القوى الأمنية بالفصل بين الفريقين. لكن وقع ستة جرحى في البقاع نتيجة رشق بعض المشاركين في ذكرى الحريري بالحجارة
يعيد مشهد المنطقة الممتدة بين طرفي ساحة الشهداء إلى الأذهان مشاهد المناطق الـ«منزوعة السلاح» بين طرفين أعلنا الهدنة بينهما. فمن جهة المشاركين في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يقف عناصر من تيار المستقبل بلباس موحد واقٍ من المطر، طبعت عليه عبارة «عن جد اشتقنالك»، ويرتدون قبعات حمراء عليها العبارة نفسها، ويديرون ظهورهم لنحو 200 عنصر من قوى الأمن الداخلي. خلفهم أسلاك شائكة تؤلف الحدود الشمالية لمنطقة «عازلة» تحدها من الجنوب حواجز حديدية ثم أسلاك شائكة تليها حواجز حديدية بارتفاع ثلاثة أمتار. ينتشر خلف الحواجز داخل القسم الجنوبي من ساحة الشهداء (مخيم اعتصام المعارضة) سلسلة بشرية من عناصر الجيش، فاق عددهم المئتين، بينهم 20 مزودون تجهيزات لمكافحة الشغب، كما لوحظ وجود ثلاث سيارات عسكرية أميركية الصنع من نوع هامر، وهي من ضمن الهبة الأميركية المقدمة أخيراً للجيش. وتوجد في المنطقة أربع ناقلات جند للجيش وسيارة لفوج الإطفاء. وبين ساحة الشهداء ومدخل شارع الجميزة 8 ناقلات جند للجيش وسيارة أخرى لفوج الإطفاء.
وكانت الطريق المؤدية من مدخل الجميزة إلى برج الغزال، من المناطق الأكثر حساسية في الوسط التجاري لأنها شكلت ممراً للمتظاهرين القادمين من مدخل الأشرفية. وقف على طولها نحو 300 من عناصر الشرطة العسكرية مع ثماني ناقلات جند برمائية، و150 من فوج التدخل وفوج المغاوير. كان يفصل بينهم وبين المتظاهرين عدد مماثل من مكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي، لم يكن أحد منهم مجهزاً بمعدات مكافحة الشغب، بل كانوا جميعاً مزودين ببنادق. أمام برج الغزال، كانت الإجراءات الأمنية مشددة لمنع أيّ من المتظاهرين من التوجه نحو ساحة اعتصام المعارضة. على جسر فؤاد شهاب، نشر الجيش عناصر من فوج المغاوير وصولاً إلى مدخل السرايا الحكومية من جهة زقاق البلاط. وكانت تتمركز على الجسر 10 ناقلات للجند. في الباحة التي تفصل السرايا الحكومية عن ساحة رياض الصلح، يقف 12 عنصراً من فوج المغاوير، مع عدد من القناصة على سطوح بعض الأبنية. الجو في ذلك القسم من وسط بيروت كان فائق الهدوء ويوحي بوجود طمأنينة لدى الجيش بعدم إمكان «تقدّم» معتصمي المعارضة باتجاه السرايا الحكومية في هذا اليوم. شارع المصارف كان مقفلاً من مدخله الشمالي حيث تمركزت عناصر الجيش، اما مدخله الجنوبي، الذي يصل بين الشارع المذكور وساحة رياض الصلح، فمقطوع بمكعبات اسمنتية بارتفاع مترين مغطّاة بأسلاك معدنية شائكة من الجهة الداخلية للشارع فقط.
الاستنفار الأمني للقوى الرسمية، رافقه حذر بين المعتصمين في ساحة الشهداء، خوفاً من «هجوم» قوى الموالاة على المخيم، مثلما ذكر أحد المسؤولين عن تنظيم الاعتصام لـ«الأخبار». هذا الحذر، يعكسه وجود أغلب العناصر داخل الخيم للبقاء على جهوزية في حال حدوث ما يتطلب التدخل.
ساحة رياض الصلح، «معقل» مناصري حزب الله وحركة امل، كانت بدورها على موعد مع الهدوء الحذر الذي ترجم بوجود المعتصمين داخل خيم النوم والنشاطات في انتظار ما ستؤول اليه الأمور.
بعيداً عن ساحة الاعتصام وأماكن الاحتكاك الافتراضية بين المعتصمين من جهة، والمشاركين في إحياء ذكرى استشهاد الحريري من جهة أخرى، انتشر عناصر الجيش بكثافة، وخاصة على الطرق المؤدية مباشرة إلى وسط بيروت. فقطعت الطريق بين كليمنصو وباب ادريس، كما انتشر بعض العناصر مع وجود ناقلة جند في منطقة زقاق البلاط قرب الحسينية. وكان انتشار الجيش الأكثر كثافة في مناطق مختلطة سياسياً (وطائفياً) داخل بيروت مثل مناطق كركول الدروز والبسطا وشارع مار الياس، بالإضافة إلى تشديد الإجراءات على مداخل بيروت من جهة الضاحية، ومنع مرور السيارات على طريق رأس النبع ــ بشارة الخوري. وتولّت عناصر من مناصري الموالاة تفتيش الداخلين إلى ساحة الشهداء يدوياً، بينهم عدد من النساء اللواتي قمن بتفتيش النساء المتوجّهات إلى مكان المهرجان.
وفي ساحة الاعتصام، عند حوالى الساعة الثانية بعد الظهر، هب قاطنو الخيم من داخلها لتمتلئ الساحة من حيث لا تدري. شُددت الاجراءات على الحواجز الرئيسية، وأرسلت التعزيزات لجهة «العونيين»، بينما تألفت سلاسل بشرية حول ساحة رياض الصلح «لحمايتها». جاء الاستنفار نتيجة شائعات عن دخول مجموعة من الموالاة من ناحية زقاق البلاط لافتعال المشاكل. استنفر الجيش على الأثر واستدعى تعزيزات إلى جسر فؤاد شهاب، لتنكفئ السلسلة البشرية بعد تسليم زمام الأمور للجيش. زادت حالة الاستنفار بين العناصر الأمنية عند انتهاء المهرجان وبدء المشاركين بالمغادرة. الجميع في حالة ترقب بانتظار تفرّق الحشود. ينقطع السيل البشري. شابان على دراجة نارية يطالبان بالثأر «من لحود ومن بشار». ينتهي يوم وسط بيروت الطويل على خير، يستبدل عناصر الشرطة العسكرية خوذاتهم الحديدية الحمراء بقبعات قماشية.
اشتباكات البقاع
لم يمتد الهدوء في وسط بيروت إلى كل المناطق، ففي البقاع الشمالي، بعد ظهر أمس ومع وصول قافلة للمشاركين في ذكرى استشهاد الرئيس الحريري إلى بلدات بريتال واللبوة والنبي عثمان والبزالية متوجهة إلى بلدة عرسال مطلقة شعارات داعمة للموالاة ومتهجّمة على المعارضة، تعرض حوالى 50 «فان» للتكسير نتيجة الرشق بالحجارة، ما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى منهم فهد محمود الحجيري الذي أصيب بحجر كبير وإصابته خطرة، نقل بداية إلى مستشفى يونيفرسال في بعلبك، وبسبب خطورة وضعه الصحي نقل إلى مستشفى في زحلة. وبينما كان سائق سيارة يحاول الهروب من راشقيه، تعرضت سيارته لحادث أوقع أربعة جرحى، بينهم نقيب في الجيش.
وما لبث الاشتباك أن امتد إلى المنطقة «الفاصلة» بين بلدتي اللبوة وعرسال، حيث تبادل عدد من أبناء البلدتين النار لمدة لا تزيد على عشر دقائق، فتدخلت قوة كبيرة من الجيش أطلق عناصرها النار في الهواء ونجحت في السيطرة على الموقف لبعض الوقت، وأوقفت 25 شخصاً من الطرفين. لكن الاشتباك لم ينته عند هذا الحدّ، إذ شهدت عدة مناطق في البقاع الشمالي استنفاراً مسلّحاً في أولى ساعات المساء، وسمع صوت تبادل لإطلاق النار وقذائف صاروخية في منطقة اللبوة وعرسال حوالى الساعة السابعة والنصف، بينما أفادت مصادر أمنية لـ«الأخبار» عن وجود طابور خامس يعمل على إطلاق النار باتجاه الطرفين. وأصيب حسين صبحي الحجيري بطلقين ناريين في صدره وبطنه نقل على أثرها إلى مستشفى دار الحكمة في بعلبك.
في هذه الأثناء أصدر النائب سعد الحريري نداء لأهالي البقاع، وخصوصاً أهالي بلدتي عرسال والفاكهة متمنياً عليهم «التحلّي بضبط النفس وعدم الردّ على الاستفزازات وترك المعالجات للقوى الأمنية والجيش اللبناني والتعاون معهما إلى أقصى الحدود منعاً للفتنة». كما عقدت عدّة اجتماعات بين فعاليات المنطقة شارك فيها مسؤولون من حزب الله وتيار المستقبل والحزب الشيوعي اللبناني لاستدراك الموقف. كما صدر عن «الشيوعي» بيان طالب فيه أهل المنطقة «بعدم الانجرار وراء الفتنة»، آملاً التوحّد «للدفاع عن لبنان ومقاومة الحرمان الذي تعاني منه المنطقة والخلاص من الطائفية السياسية».
وعلمت «الأخبار» بتعرّض «فان» ينقل ركّاباً إلى منطقة الهرمل لرشق بالحجارة في بلدة الفاكهة.
وأعلن مصدر في الجيش اللبناني عند التاسعة مساءً لـ«الأخبار» أن الجيش تمكّن من السيطرة على الوضع بشكل كامل وأن دوريات معزّزة تتحرك في المنطقة الممتدّة من مدينة بعلبك حتى اللبوة وعرسال وبريتال.
(الأخبار)