رندلى جبور
اتّهامات متبادلة بين الكتائب و«القومي» برشق موكب الجميّل بالحجارة

“جايين نودّعك”... “هيدا آخر مشهد”... “بكّير كثير عليك”... كلمات تمتمها أهل الشهيد ميشال فؤاد عطار الذي قضى في انفجار أحد الباصين على طريق عين علق. دخل المشيّعون إلى كنيسة مار مخايل في بيت الشعار في المتن الشمالي، لوداع ابنهم في عرسه الذي غابت عنه العروس من دون أن يغيب الأبيض، متجلياً بأبهى حلله في النعش والورود والزينة والشموع وسيارة الـ«بي. ام» التي نقلت ميشال إلى مثواه الأخير.
غاب الشهيد ميشال عطار بجسده، لكنه حضر بصورته التي وضعت على النعش أثناء تخرجه من المرحلة الدراسية الثانوية وببطاقات علّقها أصدقاؤه على صدورهم تظهر وجه السيد المسيح ينظر إلى وجه ميشال.
وغلب في كنيسة مار مخايل أمس في الثالثة من بعد الظهر اللون الأسود، وحلّت الدموع محل الأحاديث، وألحان الموت والغفران والرحمة محل الترانيم العادية، وتغيّر الطقس فجأة وبدأت تمطر وكأن الغيوم أرادت البكاء على الشهيد الشاب هي أيضاً.
وحين بدأ عبدو عطار شقيق المحتفى به قراءة “الرسالة”، تمتمت النساء بحسرة: “يا حرام شو كان يقراها ميشال”. فالشهيد كان ملتزماً كنسياً ومسؤولاً في جمعية “طلائع العذراء” وخادماً لرعيته من خلال نشاطات دينية واجتماعية وإنسانية مختلفةوبعد تلاوة الرسالة والإنجيل المقدّس، كانت فضائل ميشال والتساؤلات عن مسؤولية الجريمة التي وقع ضحيتها على الموعد على لسان النائب العام لراعي أبرشية أنطلياس المونسنيور كميل زيدان الذي رأس مراسم التشييع، طارحاً بصوت يرتجف سؤالاً مفاده: “أبسبب كل الفضائل التي كان يتحلى بها ميشال قتل؟” وقدّم المونسنيور زيدان جوابين عن ظروف الجريمة.
فكان جوابه البشري أن الجميع مسؤول، كلّ من موقعه، معتبراً أن ما حصل هو النتيجة الطبيعية للخطابات النارية والانقسامات بين أبناء العائلة الواحدة والمجتمع الواحد الذي تسود فيه شريعة الانتقام والحقد والعنف. أما الجواب الإيماني فكان أن ميشال هو “شهيد فداء لخطيئة شعب وشهادته هي طريق الخلاص لهذا الوطن”.
ساد الصمت طيلة فترة التشييع لينفجر الأهل بالبكاء وتمتمة العبارات غير الواضحة فور تلاوة كلمة الختام، بعدما غابت كلمات الأهل أو نوايا الأقارب والأصدقاء. كما غابت خلال المراسم الكلمات السياسية ليقتصر الحضور السياسي على وجود قائمقام المتن مادلين حداد، ممثلة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، وسامي الجميل ممثلاً الرئيس أمين الجميّل، وباتريسيا أرملة الشهيد بيار الجميّل.
البابا بينيدكتوس السادس عشر أبرق برسالة تعزية إلى عائلة الشهيد التي تقبلت التعازي في باحة الكنيسة وسط لفيف من الكهنة والراهبات والمقربين، واكتفى إخوة ميشال الأربعة بالقول: “شو بدنا نقول... كان بكير كثير عليه... خسرناه للأبد... الله يسامحهم”.
وبعد التعازي، اتجه موكب “العريس” إلى منزله الأبدي في مدافن العائلة في بكفيا حيث وضع أبوه وأمه القبلة الأخيرة على جبينه.
تشييع الجميّل
وفي كنيسة مار جرجس ـــــ عين التفاحة، أقيمت مراسم دفن الشهيدة لوريس الجميل. رأس الجناز المونسنيور نجيب الحلو ممثلاً المطران يوسف بشارة، وارتفعت الشرائط البيضاء من منزل الضحية وصولاً إلى الكنيسة.
واستنكر كاهن الرعية الأب سمير مظلوم الجريمة، مؤكداً “أن لا أحد يعرف متى وكيف تكون ساعة انتقاله من هذه الحياة إلى الحياة الأبدية”. وتقبلت العائلة التعازي في صالون الكنيسة، ثم ووريت الجميّل في مدافن العائلة.
وكان من بين المعزّين النائب البطريركي العام رولان أبو جودة موفداً من البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، حيث قدم التعازي لأهالي الضحايا الذين سقطوا في جريمة عين علق. كما زار المطران أبو جودة الجرحى في مستشفيي “بحنس” و“سرحال” للاطمئنان إلى صحتهم.
وللمناسبة، أصدر قسم عين التفاحة الكتائبي بياناً اتّهم فيه عناصر من الحزب السوري القومي الاجتماعي برشق موكب الضحية لوريس الجميل بالحجارة لدى وصول الموكب إلى ساحة بكفيا. ورأى البيان: “أن هذا العمل الدنيء يشكل تعدياً سافراً على حرمة الموت ويخالف أبسط قواعد الأخلاق والإنسانية”. وأضاف: “نضع هذا العمل بتصرف الرأي العام ليكون على بينة ممّا حصل، وندعو الأجهزة الأمنية المختصة إلى إجراء التحقيقات اللازمة لتوقيف المعتدين”.
بدورها، نفت منفذية المتن الشمالي في الحزب السوري القومي الاجتماعي ما جاء في بيان “الكتائب”، وأكّدت “أن ما ورد في بيان الكتائب مختلق ومحض افتراء، وندرجه في خانة إيجاد الذرائع من أجل تشكيل غطاء لأي اعتداء تقوم به عناصر موتورة ضد الحزب. وقد سبق للعناصر الموتورة أن اعتدت على مكتب الحزب في بكفيا، وهذا ما ينطبق عليه وصف الممارسات اللاأخلاقية”. وأشار إلى أن أغلب الجرحى من الحزب القومي و“التيار الوطني الحر” ومناصري النائب ميشال المر، وبالتالي، فإن الاستثمار الرخيص للفاجعة لا يفيد المستثمرين.