طارق ترشيشي
ولَّدت خطابات بعض أركان 14 آذار التي خرجت عن المألوف في الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري انطباعاً لدى أوساط المعارضة مفاده ان أطرافاً في فريق السلطة يعيشون في هذه الأيام مشاعر «اليتم الرعائي» من جانب الأوصياء الدوليين (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا)، بعدما قاربت المهلة الزمنية، التي أعطاهم إياها هؤلاء بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، نهايتها من دون أن يحققوا ما كان مطلوباً منهم من سيطرة على النظام بكامله ونزع سلاح المقاومة وتحويل لبنان قاعدة انطلاق للانقضاض على سوريا والشرق الأوسط، على رغم كل الدعم الخارجي المتعدد النوافذ والوسائل، بحيث سُخِّرَ مجلس الأمن بقرار أميركي من أجل استصدار قرارات خاصة بلبنان بدءاً من القرار 1559 ووصولاً الى القرار 1701، حتى إنه خُيّلَ للبعض ان مجلس الأمن «أُنشىء من أجل لبنان»، فضلاً عن الدعم العسكري من خلال حرب تموز الاسرائيلية على لبنان التي أُريد منها القضاء على المقاومة، والدعم الاقتصادي من مؤتمر نيويورك للدول المانحة، الى مؤتمر روما وصولاً الى مؤتمر استوكهولم ومؤتمر باريس ـ 3، إضافة الى الدعم المعنوي من خلال زيارات المسؤولين الأوروبيين والأميركيين بالتناوب لبيروت.
وتقول أوساط المعارضة إن أطراف 14 آذار يعيشون أيضاً توتراً نفسياً وسياسياً لأنهم يشعرون بأن داعميهم بدأوا يحزمون حقائبهم الواحد تلو الآخر وسيتركونهم لمصيرهم في لبنان. فديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق المشهور بشهوده «الملوك الكَذَبَة» قد أُقيل، وتيري رود لارسن ناظر القرار 1559 استُبدِل بغير بيدرسون ممثلاً للأمم المتحدة في لبنان وليس ناظراً للقرار 1559، والرئيس الفرنسي جاك شيراك «الوالد الحنون» سيغادر قصر الإليزيه في أيار المقبل، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير «العزيز» سيغادر «10 داونينغ ستريت» في الشهر نفسه أيضاً، والرئيس الأميركي جورج بوش غارق بين الجمهوريين والديموقراطيين ويتخبط في الوحل العراقي. أما ممثلو هؤلاء في بيروت، وخصوصاً السفيرين الأميركي والفرنسي جيفري فيلتمان وبرنار إيمييه، فهما يستعدان للمغادرة، ما يعني ان الطاقم الدولي الراعي والداعم وممثليه المحليين سيرحلون عن سدة الحكم والقرار، الأمر الذي سيخلق في أحسن الحالات فراغاً مؤقتاً حتى يتسنى للمسؤولين الجدد إعادة الإمساك بالملف الخارجي، أو في أسوأ الحالات سيكون هناك انعطاف كبير في السياسة الخارجية سيُعرِّي أفرقاء 14 آذار، أو أكثريتهم، من الدعم الدولي، باستثناء رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري الذي ستوفر له الرعاية السعودية الانتقال الهادىء أو الانسحاب غير المباشر الى ضفاف الحلول عبر المسعى السعودي ــ الإيراني الهادف الى إنهاء الأزمة القائمة بين فريق السلطة والمعارضة.
وفي اعتقاد هذه الأوساط أن حليفي الحريري الأساسيين، النائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع، شعرا بأن انسحابه سيكون على حسابهما، فقررا تكتيكاً مشتركاً يقوم على اغتيال أي حل لا يطمئنهما إلى غدهما، أو إحداث الفوضى لجذب الانتباه علَّهما يحصلان على «جائزة ترضية» تحفظ لهما وجودهما السياسي. أما بقية أطراف 14 آذار الذين يحملون لقب «الكورس السياسي» فإنهم سيفقدون تأثيرهم من الصخب الإعلامي بعدما فقدوا تأثيرهم الميداني. على أن فيلتمان الذي بدأ يستعد للرحيل فإنه يحاول أن يثير الغبار الأمني ليغطي خطة إدارته الأمنية في العراق، علَّه من خلال «القمار السياسي والأمني» يلتقط شيئاً من ربح في الساحة اللبنانية يدعم موقف إدارته المرتبكة.
وتربط أوساط المعارضة بين فقدان بعض أركان 14 آذار «رزانتهم السياسية» ولجوئهم الى سياسة الشتائم والانفعال والصراخ، وبين استفاقة الدب الروسي وصرخته الأولى في وجه الولايات المتحدة في ميونيخ، ثم صرخته الثانية خلال الجولة العربية الأخيرة للرئيس فلاديمير بوتين. وترى ان الخطابات في ذكرى 14 شباط أعطت انطباعاً بأن النائب الحريري هو الوحيد الذي بدأ يقرأ جيداً التطورات الإقليمية والدولية الجارية، وأن دعوته الموالاة والمعارضة الى اتخاذ «قرارات شجاعة» تعكس رغبته في الوصول الى تسوية للأزمة تقوم على تنازلات متبادلة يفرضها مشروع الحل الذي يعمل المسعى السعودي ــ الإيراني حالياً على تظهيره وهو يقوم على تأليف حكومة وحدة وطنية وإقرار مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس الحريري بعد الاتفاق على تعديل بعض بنوده بما يبعد هذه المحكمة عن التسييس ويجعلها متماشية مع السيادة الداخلية.