strong> عرفات حجازي
تختلف التقديرات والقراءات للمواقف السياسية التي أعلنها خطباء ذكرى الرابع عشر من شباط، لكنها أجمعت على أنها كانت متنوعة في المضمون وأكثر تبايناً في السيرة والموقف. وقد ذهبت في مجموعها في اتجاهات ثلاثة منسّقة وأتت في إطار توزيع الأدوار على ما اعترف به الوزير مروان حمادة، فتولّى رئيس «اللقاء الديموقراطي» المواجهة مع النظام السوري، وتولّى قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع المواجهة مع رئيس الجمهورية والمعارضة في الداخل بتشديده على لاءات ثلاث: لا للمقاومة، لا لسلاح غير سلاح الشرعية، لا للثلث المعطّل، فيما جاء خطاب النائب سعد الحريري على رغم بعض الشطحات في سياق التهدئة السياسية فاتحاً الباب أمام تسوية سياسية ما من خلال الحوار ومن خلال العبارة المفتاح في كلمته والمتمثلة في الدعوة إلى اتخاذ القرارات الشجاعة، مجدّداً المقايضة بين المحكمة والحكومة في إطار ملتبس حيث لم يحدد ما إذا كان المطلوب إقرار نظام المحكمة كما وقّعته الحكومة والأمم المتحدة أو بعد إجراء التعديلات المطلوبة عليها لتكون مقبولة من الطرفين وحرمان أي كان من الاستخدام السياسي لها.
واستطراداً لم يوضح سعد الحريري ما يعنيه بحكومة تتمثّل فيها كل الكتل النيابية التي انتخبها اللبنانيون بإرادتهم، هل سيوافق على إعطاء المعارضة الثلث الضامن مقابل إقرار المحكمة مع التعديلات أم يرفض، كما أوضح أقطاب من فريق الأغلبية، إعطاء المعارضة مطلبهم الأساسي وهو حكومة وحدة وطنية على أساس أن يعطى للغالبية النيابية 19 وزيراً وللمعارضة 11 وزيراً؟
الموقف الملتبس الذي طرحه النائب الحريري طرح جملة تساؤلات عن مدى قدرته على تسويق مقايضته التي سبق أن تم التفاهم في شأنها مع الرئيس بري ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة على هامش جلسات التشاور والتي فاخر جعجع بأنه من أسقطها، وإن ثمة تساؤلاً آخر عن مدى التنسيق بين أركان الرابع عشر من آذار وانسجامهم وتوحّدهم على الموقف من المبادرة العربية والسعي الإيراني ــ السعودي المستمر لإخراج الأزمة من مسار المواجهة إلى مسار التفاوض والبحث السياسي؟
على أن الثابت حتى الآن أن خطوط الاتصال مفتوحة بين الرئيس نبيه بري والحريري، وأن هناك لجنة مكلفة من جانب كل منهما لبحث نقاط الخلاف في موضوعي المحكمة والحكومة من دون أن تعرف حتى الآن مدى قابلية جنبلاط وجعجع للتجاوب مع ما قد تتوصل إليه اللجنتان. وقد اعترف حمادة بأن فريق 14 آذار على علم بكل الاتصالات التي تجري والأفكار التي تطرح وليس هناك خلاف أو انفراد من أي طرف، لافتاً إلى أن السعودية وإيران قررتا لبننة المفاوضات أكثر على أن تكون المواكبة العربية ــ الإيرانية مواكبة غير مثقلة على الحوار اللبناني الذي تقرر بهذه الطريقة.
مواقف المعارضة من طرح الحريري لم تتأخر وقد جاءت على لسان «حزب الله» والعماد عون اللذين اعتبرا كلامه مهماً، وأن المعارضة جاهزة للقرارات الشجاعة والخوض في موضوع المحكمة، لكنها سألت هل في مقدوره أن يلاقي شجاعة الآخرين ويلاقي مطالب المعارضة بدءاً بحكومة الوحدة الوطنية التي تعتبرها الممر للحل كما يعتبر هو المحكمة معبرها الوحيد. هنا المحك وهنا التسوية وفق ما يقول المعارضون: إقرار المحكمة بعد إدخال التعديلات الضرورية عليها والموافقة على قيام حكومة وحدة وطنية بثلث ضامن على أن يُقرّا معاً بالتزامن والتوازي وفق الصيغة التي سبق أن طرحها عمرو موسى ووافق عليها الجميع.
وعلى رغم صعوبة التكهّن بما سترسو عليه صورة الوضع في الأيام المقبلة فإن الرأي السائد والمرجّح لدى كل الأطراف هو امتداد مفاعيل الهدنة غير المعلنة لإعطاء الفرص الكافية لنجاح المحاولات الجارية في الداخل والمشاورات العربية والإقليمية الجارية على خط الرياض ــ طهران لبلورة الخطوط العريضة للمخارج لعقدتي المحكمة والحكومة كمدخل لتسوية بقية الخلافات بين أطراف النزاع. ويجمع المراقبون على وجود إشارات وتلميحات تتقاطع وتسمح بتوليد مناخ تفاؤلي، وأن طبخة موضوعة على النار وأن التكتم الشديد مضروب على التفاصيل.
في كل حال ثمة إجماع في أوساط المراقبين على أن الترقّب هو سمة المرحلة المقبلة التي ستكون حافلة بالمفاجآت والتي تحتاج برأيهم إلى متابعة دقيقة لأنها تحمل خيارين لا ثالث لهما، إما الانعطافة الجادة إلى الحوار المسؤول وإما إلى تأزيم الوضع والوصول إلى نقطة اللاعودة والسقوط في مربع الفوضى.
رئيس المجلس الذي يحمل على منكبيه مسؤولية الخروج من حال المراوحة والدفع في اتجاه التوافق بين القيادات اللبنانية، مصمم على متابعة حركته الوفاقية على الرغم مما حفل به مهرجان الذكرى السنوية للرئيس الحريري من صراخ مرتفع ومواقف أطاحت كل السقوف السياسية، فالأفق ما زال برأيه مفتوحاً على التسوية وهذا ما قرأه في خطاب الحريري سواء كانت مواقفه نابعة من قناعة ذاتية أو استجابة لمسعى سعودي ومراعاة لما توصل إليه هذا المسعى المشترك مع إيران من إقرار بالثلث الضامن للمعارضة وتعديل مسوّدة المحكمة وإقرارها حسب الأصول الدستورية. والرئيس بري على موقفه الثابت بأن الأزمة السياسية وحلها لا يكون إلا سياسياً، وقدر اللبنانيين الحوار. ويعتبر أن استمرار الخلافات بين يشكل المعبر الأساسي للطوابير الخامسة كي تهز ركائز الاستقرار والسلم الأهلي كما حدث في جريمة تفجير الحافلتين بالمدنيين بالأمس القريب.
ويبدي بري عزمه على إحداث الاختراق المطلوب في جدار الأزمة مراهناً على الاتصالات التي لم تنقطع بين إيران والسعودية والحركة التشاورية التي يقوم بها موسى الذي هو على تواصل مستمر معه وهما متفقان على أنه بمجرد بروز معطيات مشجعة تساعد على الحل فإن موسى لن يتأخر في المجيء إلى بيروت لوضع اللمسات الأخيرة على التفاهم اللبناني ــ اللبناني وبسط الخيمة العربية فوقه لحمايته من السقوط.