إبراهيم الأمين
تتجه الأنظار صوب السعودية من جديد، لمتابعة المساعي الجارية بينها وبين إيران بشأن الازمة اللبنانية، حيث يسود الانطباع بأن كلاً من الطرفين يمثل جبهة من الجبهات المتصارعة خارجياً والتي لها تأثيراتها الكبيرة داخلياً، علماً بأن تطورات الموقف في بيروت لا تتطابق دائماً مع هذه الحسابات. وهو الأمر الذي يكتشفه بصورة دائمة الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي ينتظر الآن مجموعة مواعيد جديدة في الرياض وطهران لعلها توفر له مادة تكفيه للعودة الى بيروت بغية إنضاج حل مفقود، وسط إشارات سلبية مصدرها بالنسبة للمعارضة الولايات المتحدة الاميركية، وبالنسبة لفريق السلطة سوريا، علماً بأن بعض التدقيق واجب في هذا المجال.
زوار دمشق يتحدثون هذه الايام عن وقائع مختلفة. هم يسمعون عن طلبات سعودية من النوع الذي يركز على تطبيع بارد للعلاقات مع سوريا وأن يتم الامر أو يتوّج من خلال مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية المقبلة في السعودية، حيث هناك حرص سعودي على نجاح القمة شكلاً على الأقل من خلال مشاركة أكبر عدد من القادة العرب فيها، وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه نظراً الى المكانة التي تحتلها السعودية في العالم العربي. لكن الاتصالات الجارية بين دمشق والرياض لم تنته بعد الى اتفاق على هذه النقطة، ولم يجب الأسد بعد على الطلب السعودي، دون استبعاد استقباله قريباً موفداً سعودياً ربما يأتي لهذه الغاية ويفتح من طريق آخر ملف لبنان.
في دمشق تقدير بأن هناك ليونة سعودية لافتة مقارنة مع المواقف السابقة ومقارنة مع الموقف الاميركي الذي لم يتبدل. لكن هذا التقدير لا يعني شيئاً في المسائل الرئيسية، بمعنى أن دمشق التي تهتم بإعادة تنظيم العلاقات العربية ــــــ العربية وهي لا تخفي حاجتها الى حالة من هذا النوع، لا يبدو أنها مضطرة للتنازل كثيراً حيث لا يتقدم الآخرون خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح، وهو الامر الذي ينعكس سلباً على معالجة ملفات حساسة من بينها ملفّا العراق ولبنان، ويلفت الزوار الى أن سوريا لعبت دوراً حاسماً في الاتفاق الذي توصل إليه الفلسطينيون أخيراً وأن السعودية تعرف أن نقاط الاتفاق تمت في دمشق وأن سوريا هي التي دفعت باتجاه أن يتم الاعلان عنه في السعودية لما في ذلك من مظلة عربية أكبر. لكن ليس هناك ضمانات بأن الجانب الاميركي لن يعود ويفجّر هذا الاتفاق كما يفعل في العراق وفي لبنان.
وفي هذه الحالة تبرز الأدوات التي تعمل مباشرة مع الولايات المتحدة الاميركية دون الحاجة أو دون الرغبة في المرور بجدة أو الرياض ودون الخوف من تفلت كهذا. وهي حال لبنان مثلاً، إذ إن التصلب الفرنسي ــــــ الأميركي في ملفات الوضع الداخلي اللبناني يترجمه وليد جنبلاط وسمير جعجع دون إحراج سعد الحريري والسعودية، وإن الثنائي المشتاق بلهفة لا سابق لها لعودة الحديد والنار والدماء الى بيروت وبقية المناطق، يجيد اللعب في هذا الحقل، وهو ما برز في مناسبات عدة، سواء يوم وافقت السعودية على اتفاق الرياض الشهير بين حركة امل وحزب الله من جهة وتيار المستقبل من جهة ثانية، حيث تولى جنبلاط وجعجع نسف التفاهم قبل عودة الحريري الى بيروت، أو في الكلام المرتفع الذي يطلقانه في مناسبات كالتي مرت أول من أمس، حيث برز الهجوم على سوريا والرئيس إميل لحود وعلى حجم مشاركة المعارضة في الحكومة، ليعكس التصلب الاميركي ــــــ الفرنسي رغم أن الحريري ظهر بمظهر الراغب في حوار وفي التوصل الى نتائج، علماً بأن مضمون ما أعلنه يعيد الامور الى النقطة الصفر.
وتظهر المداولات التي يجريها زوار دمشق، أن طهران لم تتورّط بعد كاملاً في الملف اللبناني، وهي ترفض عقد اجتماعات تخصص فقط للملف اللبناني، وترى أن هناك الكثير من الامور تجب معالجتها مع اللبنانيين مباشرة ومع السوريين مباشرة أيضاً. ويقول السوريون هذا الكلام ليوضحوا أن ما أشيع عن أن دمشق عطلت تفاهماً إيرانياً ــــــ سعودياً في شأن لبنان ليس صحيحاً لأنه لم يحصل أي تفاهم بين طهران والرياض اصلاً، وان المداولات التي عاد عمرو موسى وحملها دلت على تراجع الفريق الاميركي ومن معه في بيروت عن اقتراحات سابقة. ويوضح الزوار أن اقتراحاً أولياً جاء بتأليف حكومة وحدة وطنية موزعة على قاعدة 19 + 11 وأن يصار الى بحث ملف المحكمة في وقت لاحق على تأليف الحكومة. وفجأة لم يعرف أحد من أين أتى التعديل الذي تبلغه الجميع من موسى نفسه وفيه أن الفريق الحاكم في لبنان يريد حلاً موازياً مع ضمانات، وأن يكون على شكل اتفاق على حكومة على قاعدة 19 + 10 + 1 وأن يظل تأليفها رهن الاتفاق اولاً على مشروع المحكمة ليصار الى إقراره فيها، وإن رفض منح الثلث المعطل هدفه منع المعارضة من امتلاك الورقة الدستورية التي تتيح لها التراجع عن أي اتفاق بشأن المحكمة، وإن تأخير إعلان الحكومة الجديدة هدفه ضمان الوصول الى اتفاق على تمرير مشروع المحكمة الدولية. ثم تطور الأمر سلباً حتى وصل الى الاقتراح الأخير الذي عبّر عنه سعد الحريري : إقرار مسبق للمحكمة في كل الاطر الدستورية اللبنانية المطلوبة ومن ثم تأليف حكومة على قاعدة 19 + 11 واعتبار هذا الامر بمثابة تنازل كبير من جانب فريق السلطة.
ولكن يبدو أن في دمشق ترحيباً دائماً بموسى مع قدر من الحذر، بعدما بدا أن التراجعات عن الاقتراحات والتعديلات المفترضة على امور كثيرة من بينها مشروع المحكمة الدولية لا تمثل إلا نزولاً عند رغبة من بيده الأمر، أي عند الرغبة الاميركية ـــــــ الفرنسية، هذه الرغبة التي شعر بها اللبنانيون علناً من خلال بيان السفير الاميركي جيفري فيلتمان الاخير أو من خلال “همس مدوّ” بات السفير برنار إيمييه متخصصاً به، وهو الذي يبدو بالنسبة إلى قادة المعارضة اكثر خطورة بمراحل من السفير الاميركي.
أما الجانب الآخر من تفسير هذا التنقل المستمر للعقدة السعودية فهو برأي أحد المتخصصين في متابعة العلاقات العربية ــــــ الاميركية يعني الآتي:
إن الدور الذي استعادته مصر والسعودية بعد انفراط عقد المحافظين الجدد في الإدارة الاميركية، لا يعني عودة الى ما كان العرب يعرفونه عن السعودية ومصر، بل الأخذ بالمستجد عندهما حيث بات حلفاء المحافظين الجدد هم من يديرون الامور في القاهرة وفي الرياض، وهو ما يسعد بندر بن سلطان وحليفيه اللبنانيين جنبلاط وجعجع.