عـلي عطوي
أتاحت الحرب الأخيرة على لبنان، فرص عمَل للشباب من أبناء الجنوب، وخاصّةً أولئكَ الذين يجيدون اللغة الإنكليزيّة التي تشكّل لغة التواصل بينهم وبينَ رؤسائهم في العمل، في البعثات والهيئات الأجنبيّة، التي جعَلت من الجنوب مقرّاً لها.
تعمَل غادة مونّس لدى الصليب الأحمر الدولي، وهي تقوم بمتابعة تحرّكات الوفود العاملة، التي تقوم بتقديم الخدمات الإنسانيّة، وهي تقول: «كنت أعمَل معلّمة للغة الإنكليزيّة، وأُتيحت لي فرصة للانتقال إلى عمَل أفضَل، وخاصّةً أنني كنت متعاقدة، أي إنني لا أقبض إلاّ بين السنة والأخرى، أمّا اليوم فإني أقبض راتبي مع نهاية كلّ شهر».
إضافةً إلى العامل الماديّ، تزيد غادة عاملاً تجده أساسياً «فالمعاملة أساس في أيّ وظيفة، والعمَل مع الأجانب فرصة، لأنهم يشعرونك بأنكَ سيّد عملك، احترامهم لك يجعلك تؤدّي عملكَ بارتياح، على عكس المؤسسات المحليّة، التي تستنزف كل عطاءاتك وطاقاتك، دونَ أن تسمَع كلمة إطراء واحدة».
أمّا محمّد زعتر، الذي يعمَل ضمنَ فريق مواكبة وفود الصليب الأحمر الدولي، والذي كان يعمَل في صيانة الآلات الصناعيّة، وتخلّى عنها ليعمل في وظيفته الجديدة، يقول: «قبلَ الانتقال إلى عملي الجديد، لم أكن أفكّر بالعامل الماديّ، إنّما كان دافعي حبّ مساعدة الآخرين، هم أتوا لمساعدة منطقتي، لذلك لا أبخل عليهم بإعطائهم جزءاً من وقتي».
ويكشف زعتر: «هذه التجربة أكسبتني معرفة بأشخاص من بلاد أخرى، وعلّمتني أنّ الأجانب نوعان، منهم القريب إلينا وإلى مشاكلنا وهمومنا، ومنهم البعيد عنّا وعن أحلامنا وتطلّعاتنا، كذلك تعلّمت مدى حسن معاملة الأجانب، واحترامهم للموظّفين وإعطاء كلّ عامل حقّه، وهذه الأسس غير موجودة في مجتمعنا».
بينما يرى صائب محيش، الذي يعمَل حاليّاً مترجماً في التلفزيون الإيطالي «أنّ الحرب فتحَت آفاق جديدة للعمَل في الجنوب». ويختصر الأمر بالمثَل الشائع: «مصائبُ قومٍ عندَ قومٍ فوائدُ». ويجد «أنّ الرواتب مغرية جدّاً، وخاصّةً لمن يتكلّم لغات، تكون فرص الحــــــظّ لديه أوسَع».
ويقول ربيع حلبي، الذي يعمَل سائقاً ومترجماً، قبلَ أن يتخلّى عن عمله السابق في مجال الإلكترونيك: «كنت أفتّش عن وظيفة تضمَن لي راتباً ثابتاً آخر الشهر، وقد تحقق هذا الأمر». ويُخرج من محفظته بطاقة الضمان، التي حصلَ عليها من عمله ويشير إلى أنّ «التقديمات الاجتماعيّة ممتازة، من بدل نقل إلى الضمان. وهذه كلّها عوامل تجذب الشباب للعمَل مع الهيئات الأجنبيّة».
ويسهب حلبي في الحديث عن النظام والانضباط اللذين يجب أن يكونا متوافرين في العمَل، «فالسيجارة ممنوعة خلال القيادة، والسرعة محددة والوقت مهمّ؛ الأجانب بيعطوك حقّك عالوقت، وإذا اشتغلت ساعة زيادة، بيحسبولك ياها».
يعلَم غادة ومحمد وصائب وربيع أنّهم سيعودون إلى أعمالهم السابقة في أيّ يوم، فوجود المؤسسات والهيئات الدوليّة الإنسانيّة ليسَ دائماً، بل هي مسألة وقت، ولهذا «نحنُ مستعدّون في أيّ لحظة، لتلقّي خبر انتهاء العمَل، لذلك لا نعلّق آمالاً كبيرة على استمرارنا»، كما يقول محمد، لكنّ غادة تزيد عليه وتقول: «تبقى تجربة مليئة بالذكريات والخبرات».