strong> راجانا حميّة
وجدت توصية «المؤتمر الدولي الحكومي الخاص المتعلّقة بأوضاع المدرّسين» طريقها إلى لبنان بعد 41 عاماً على صدورها، غير أنّ «الحدث الجلل»، رغم أهمّية طروحاته باعتراف المدرّسين أنفسهم، لم يسهم في تغيير نظرتهم التشاؤمية، فأتوا لمناقشتها ومحاولة «لبننة» بعض بنودها، وفي جعبتهم النتيجة... «بنود لا مكان لها في ورقة إصلاحيّة تتّجه إلى الحرمان الإضافي من الحقوق والمكتسبات».
بنود «رومانسيّة» وأخرى يفتقدها القانون التربوي اللبناني، وصل عددها إلى 63 بنداً من بنود التوصية، وثالثة يحتاج تطبيقها إلى تغييرات جذرية في البنية التربويّة، ورابعة دفعت العديد من المشاركين إلى التسليم «بالوضع الراهن».
رغم ذلك، حاولت اللجنة الوطنيّة اللبنانيّة لليونسكو تعريف المدرّسين بحقوقهم ومسؤولياتهم، استناداً إلى 145 بنداً دوليّاً تضمن في ما بعد إمكان صياغة قانون تربويٍّ يسهم في تحسين أوضاعهم وإصلاح البنية التربويّة، فنظّمت، لهذه الغاية، ثلاث ورش عمل تناولت دراسة بيئة العمل، شروطه وتأهيل المدرّسين وتدريبهم، خرج في نهايتها المجتمعون بمقترحاتٍ وضعت في كلّيتها في خانة «الحبر على الورق».
طالب المجتمعون بإحياء المركز التربوي للبحوث والإنماء ليكون المصدر الأوّل في توحيد المناهج التربوية، إنشاء شبكات منسّقين بين المدارس لاختيار الكتب المدرسيّة، إلغاء مصطلح الشؤون السياسيّة ضمن أسوار المؤسّسات التربوية في التعامل مع التلامذة، تفعيل التعاون بين المدارس ومؤسّسات المجتمع المدني لتنظيم محاضرات دوريّة في موضوعات اجتماعيّة وضرورة احترام الحدود الأخلاقيّة.
ودعا المجتمعون إلى تفعيل التواصل بين المدرّسين سواء عن طريق التلاقي المباشر أو من خلال تطوير موقع «schoolnet» لتبادل الخبرات والأفكار، إضافة إلى تكثيف الدورات التدريبيّة، ونقل مرجعيّة نقابة المعلّمين من وزارة العمل إلى وزارة التربية والتعليم العالي.
وكانت ورش العمل قد افتتحت في فندق البريستول برعاية وزير التربية والتعليم العالي خالد قبّاني ومشاركة الأمينة العامّة للجنة الوطنية اللبنانية لليونسكو سلوى بعاصيري التي لفتت إلى «أهميّة دور التربويين في تحقيق التغيير شرط أن تتوافر لديهم الرؤية المعرفية والأخلاقية والاجتماعيّة».
بدوره، دعا قبّاني إلى «تكثيف الجهود لإعداد المدرّس علمياً وتربوياً وتنمية معارفه وإشراكه في وضع السياسة التعليميّة ورعاية حقوقه».
وشرحت الدكتورة ندى مغيزل نصر مهمّة اللجنة المشتركة ــ اليونسكو ومنظّمة العمل الدوليّة ــ للخبراء في رعاية تطبيق البلدان للتوصيات عبر تقارير تقدّمها الحكومات أو المنظّمات والمنشورات الدوليّة ودراسة الادّعاءات التي تقدّمها منظّمات المعلّمين.
من جهته، تناول اختصاصي التعليم العالي في مكتب اليونسكو الإقليمي رمزي سلامة أوضاع المعلّمين في ضوء اهتمامات اليونسكو ومنظّمة العمل الدوليّة. وأكّد أهميّة «تأمين معلّمين بالأعداد الكافية ومراعاة التوزيع العادل، شرط ألاّ يقل مستوى إعدادهم عن الشهادة الجامعية المتخصّصة أكاديميّاً وتربوياً، ودعم عملهم بمعلّمين متخصّصين وتوفير التدريب المستمرّ لهم».
كما تطرّق سلامة إلى دور منظّمة العمل الدولية في «تحديد الحاجة والفائض في القطاع التعليمي وتوفير الأمن الوظيفي والتثبيت والترقي ومراعاة المعلّمين ذوي الحاجات الخاصّة». ودعا إلى ضرورة توفير «الحريّة في إنشاء الروابط والنقابات وحقّهم في الإضراب والتشاور في الشؤون التربوية».
أمّا الأستاذ في كلّية التربية الدكتور عدنان الأمين فقد خلص في دراسته إلى نتيجة مفادها أنّ معظم فقرات «توصية 66» غير قائمة في القوانين اللبنانيّة ولا تتفق مع أوضاع المدرّسين في لبنان، وقسّم الأمين فقرات التوصية إلى ثلاثة محاور «بيئة العمل والإعداد والتأهيل وشروط العمل».
ووجد الأمين أنّ القرارات التربوية «اختزلت» الأساتذة من المشاركة «في وضع المناهج واختيار الكتب والمعينات التربوية»، كما أنّ مقترحات الحكومة الجديدة في الورقة الإصلاحية تتّجه إلى المزيد من الحدّ من حقوق ومكتسبات المدرّسين. ففي الوقت الذي دعا فيه الأمين إلى «اعتماد التحصيل المدرسي كمؤشّرٍ لزيادة الرواتب»، تنتهج الحكومة سياسة «التجميد الإضافي» بعد تجميدها السابق في عام 1996.
وفي ما يتعلّق بساعات العمل، ينص قانون التناقص التدريجي على أنّ ساعات العمل تنخفض تدريجاً استناداً إلى عدد سنوات الخدمة، غير أنّ هذا الاتّجاه يواجه «بأحاديث حكومية عن زيادة الساعات لا خفضها».
كما انتقد الأمين خط التعاقد «السريع» من دون المرور بمؤسسات إعداد مناسبة رغم وجود 15 مؤسسة تعليم عالٍ تمنح إجازات في المراحل التعليميّة كافّة، إضافة إلى غياب القاموس المشترك في تسمية المقرّرات والنقص في أساتذة بعض المواد وتدريس بعض الحصص من غير المتخصّصين. وأشار إلى وجود فائض في أعداد المدرّسين، ما دفع المعلّمين إلى دحض مقولته، مرجعين السبب إلى سوء توزيعهم على المؤسّسات التربويّة.
في ما يتعلّق بشروط العمل، تحتاج القرارات الرسميّة إلى اعتماد رؤية جديدة في التوزيع، إذ توجد الكثير من بنود التوصية غير موجودة في لبنان كالعمل بدوام جزئي مع استثناء وحيد يطال إجازة الأمومة، والتفاوت في رواتب معلّمي المرحلة الواحدة والترقي وإعانة الشيخوخة والضمان الاجتماعي للمدرّسين.