strong>من جــرود اليمّــونة إلى طريــق عيــون السيمــان: حيــاة لا تشبــه الحيــاة
غربي بعلبك ــ رامح حمية

14 مزرعة تترامى على تخوم المنقلب الشرقي لسلسلة جبال لبنان الغربية، تعتبر نموذجاً حياً لقرى الريف اللبناني في غربي بعلبك. إنها مزارع بيت مشيك أو «جمهورية المزارع» في البقاع.
قدم «آل مشيك» إلى تلك المرتفعات الحرجية المكسوّة بأشجار الصنوبر والشربين في العقد الأول من القرن الماضي، فشهدت المنطقة نمواً سكانياً عمرانياً مضطرداً، انتشرت من خلاله البيوت وحظائر المواشي في الوديان والشعاب التي فيها الذئاب والضباع لتشكل هذه المزارع المأهولة شريطاً متقطعاً من القرى تستقطب كل من يشاء أن يتخذ من تربية الماشية والنحل والدواجن مهنة له ومصدر عيش حلال، وذلك بالنظر الى غنى المنطقة بالعشبتمتد مزارع بيت مشيك من جرود اليمّونة شمالاً الى طريق عيون السيمان في جرود بلدة طاريا جنوباً بمسافة تقارب العشرين كلم. تم فرزها وتقسيمها الى خمس مختاريات، وتم استحداث بلدية «قلد السبع» عام 2005، لكنها لا تزال بعهدة قائمقامية بعلبك بانتظار الانتخابات البلدية. أما باقي المزارع فهي ما زالت تابعة لبدية شمسطار.

قلد السبع

تعدّ هذه المزرعة الأكثر ارتفاعاً بين مثيلاتها وأقربها إلى مرتفعات الفتوح ــ كسروان والعاقورة. ويمكن الوصول اليها بسلوك طريق كفردان ــ وادي أم علي ــ التوت، لتتابع بطريق أخرى ضيقة تتلوى بين الوهاد والصخور مسافة خمسة كيلومترات. أما بالنسبة للتسمية، فتعود الى وجود «قلد»، أي جرن، وهو محفور في الصخر يحوي الماء دائماً. وبحسب الأهالي، فإنّ الضبع يشرب من هذا الجرن (الأهالي غيّروا الإسم إلى سبع).
لم يبق في مزرعة «قلد السبع» إلا أصحاب بعض الوظائف العامة والمعدمون غير القادرين على الانتقال الى مكان آخر. ويشير المختار مشهور مشيك الى أن «قلد السبع» تخلو من أي مرفق خدماتي، باستثناء الكهرباء صيفاً، شأنها شأن باقي المزارع. ولا يوجد أيّ مستوصف صحي. ويضيف «الطرقات لم تعبّد على نفقة الدولة، بل على نفقة أصحابها. أما الطريق الأساسية، فصالحة لتعلّم القيادة من كثرة الحفر».

رماسا

تشكل هذه المزرعة نقطة الوسط بين شريط المزارع الجردية، وتعتبر الأكبر من حيث عدد البيوت والسكان. وقد حافظت على الاسم الذي أطلقه عليها العثمانيون، وهو يعني «صبّ أو سكب».
وفي لمحة عامة عن المزرعة، يقول حسني مشيك: «بعد الأعداد التي بلغتها المزارع من حيث عدد السكان والبيوت، أضحى من غير المنطقي تسميتها بالمزارع. ولا بد من التفاتة من قبل الدولة والحكومة الى أوضاع هذه القرى لأنها تخلو من أي مرفق خدماتي اجتماعي وصحي». وأوضح أن قرى بيت مشيك جميعها لا يوجد فيها مورد مياه نهائياً، لذلك كان لا بد من المطالبة الملحّة والدائمة بتأمين «بئر ارتوازية»، فكان لنا ما طلبنا بعد معاناة ومساعدة من مؤسسة جهاد البناء وبلدية شمسطار.
مشيك الذي بدا مدركاً وملمّاً بأوضاع المزارع المعيشية، أشار الى وجود ثلاث مدارس في قرى بيت مشيك كلها، وهي: وادي أم علي ــ رماسا ــ وسيرة هَنا. وتعاني هذه المدارس العديد من المشاكل في الكادر التعليمي والقرطاسية والمباني غير الصالحة لدخول تلامذة إليها، إضافة إلى غياب التدفئة.
لا يوجد في قرى بيت مشيك إلا محطة وقود واحدة، صاحبها يؤمن «عيّنة» من المحروقات، وذلك بحسب توافر المال لديه. لذلك، يلجأ الأشخاص المقتدرون الى البلدات المجاورة من أجل شراء مادة المازوت أو البنزين.
ويستمر شريط البؤس والحرمان في مزارع وادي العويني (تصغير كلمة عين أي نبع الماء) ووادي الأسود (نظراً لكثافة الغابات) ووادي الأحمر، وتبدو جميعها خالية من مظاهر الحياة، ما خلا بعض الرعاة مع قطعان الماعز.

مصنع الزهرة وأخواتها

تجاور مزرعة «مصنع الزهرة» مزرعتي «صقر ونجم» و«سيرة هنا» بالقرب من طريق حدث بعلبك ـ عيون السيمان. يبلغ ارتفاعها 1550 متراً عن سطح البحر. ويقول حسن أسعد مشيك، عضو لجنة الوقف لأراضي مصنع الزهرة، إن تسمية هذه المزرعة تعود الى سبيل ماء موجود فيها بطول 7 أمتار وعرض 4 أمتار وعمق ثلاثة أمتار. وقد كتب أو حفر عليه خلال الحقبات الإسلامية «سبيل الزهراء بنت الرسول». وبشأن كلمة مصنع، يوضح ان هذا السبيل صنعه الإنسان لا الطبيعة، ومنه كانت التسمية».
وعن الوضع المعيشي في «مصنع الزهرة» وصقر ونجم وسيرة هنا، يقول حسن مشيك «إن الزراعة لم تعد تلبي حاجاتنا، لذلك تركها غالبية السكان ليفتشوا عن مورد رزق آخر». ويضيف: «الوضع الأكثر إحراجاً للدولة أنّ مزارع بيت مشيك، بالرغم من مساحتها الكبيرة وامتدادها، لا يوجد فيها مركز صحي، وإذا مرض أحدنا كيف نساعده؟ نسعفه ذاتياً ريثما يتم نقله الى بعلبك التي تبعد مسافة 25 كلم».
تضم مزارع بيت مشيك المزارع الآتية: وادي أم علي، رماسا، قلد السبع، مزرعة التوت، شميس الحجار، الجمل، وادي الأسود، وادي الأحمر، وادي العويني، مصنع الزهرة، صقر ونجم، سيرة هنا، الصبحة، والزعارير. ويقطن اليوم في «جمهورية المزارع» 500 نسمة فقط. أما عدد الناخبين فهو 2695 ناخباً وناخبة، بحسب الانتخابات الأخيرة.