طارق ترشيشي
توقفت الأوساط السياسية باهتمام عند التصريح الأخير لوزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس بأن لبنان يمثّل المتراس الامامي للمشروع الاميركي في الشرق الاوسط، وأن على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة تحصيل توقيعي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب على مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تنفيذاً للالتزامات التي تعهدتها. ووجدت هذه الاوساط ان هذا الموقف الاميركي المستجد يشير الى ثلاثة عناوين رئيسية:
ــ العنوان الاول ،هو أن رايس قد أقرت بأن ما يجري في لبنان ليس صراعاً داخلياً حول محكمة دولية او عناوين أخرى بمقدار ما هو استكمال للحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز الماضي والتي كانت بقرار اميركي وتنفيذ اسرائيلي، وأنها تستكمل الآن في إطار سياسي ودبلوماسي وقانوني عبر المحكمة الدولية حماية للمشروع الاميركي المتعثر والعاجز عن استيلاد شرق اوسط جديد، وكلام رايس هذا يؤكد استعمال الادارة الاميركية لبعض الأفرقاء اللبنانيين المتحالفين معها أكياس رمل في متاريس خط الدفاع الاميركي عن المشروع الخاص، ويؤكد ايضاً عدم قدرة هذا الفريق على اتخاذ القرارات الذاتية، ولا يملك حرية التفاوض، فكيس الرمل عادة ليس شريكاً في الادارة والتخطيط، بل دوره هو تلقي الصدمات وحماية صاحب المشروع حتى لا يلحقه الاذى، ويكون مصير اكياس الرمل عند انتصار المشروع او انهزامه انها تُترَك في الارض من دون أن يكترث لها أحد، وفي بعض الحالات يكون مصيرها التنظيف لعدم عرقلة حركة المرور.
ــ العنوان الثاني، هو اعتراف الادارة الاميركية صراحة بشرعية رئيس الجمهورية اميل لحود للمرة الاولى منذ صدور القرار الدولي 1559، وهذا ما يدحض كل مقولات قوى 14 آذار بعدم شرعية رئيس الجمهورية الذي ما كانت حكومتها ورئيسها قائمين لولا توقيعه.
ــ العنوان الثالث، هو اعتراف الادارة الاميركية الصريح ايضاً بوجود التزامات وتعهدات قطعتها حكومة السنيورة لها مقابل تأمين الحماية الدولية لها والدعم الاقتصادي الذي بدأ بعض اركان الحكومة يتخوف من عدم وصوله، كتعهدات لمؤتمر باريس ــ 3 بعد انقضاء ثلاثة اسابيع على انعقاده، بحسب ما صرح وزير المال جهاد ازعور. إذ يتوقع البعض أن تطول المدة في انتظار معرفة مصير حكومة السنيورة، فإذا ما تأكدت الادارة الاميركية من عدم قدرة هذه الحكومة على الصمود في وجه المعارضة وعلى إيفاء التزاماتها فلن تصل المساعدات الى لبنان.
وتخلص الاوساط مما تقدم، الى استنتاج أولي يؤكد أن حل الازمة القائمة بين فريق السلطة والمعارضة بات مرتبطاً بالموضوع العراقي، إذ إن واشنطن باتت ترهن ما تطمح اليه من «انتصار» في العراق بـ «انتصار»، آخر تطمح اليه في لبنان، وبالتالي فإن الحل اللبناني مؤجل في انتظار ما ستؤول اليه الاوضاع بعد الخطة الامنية لبغداد، والحل اللبناني لا يمكن أن يكون داخلياً او اقليمياً فقط، بل هو دولي بامتياز.
وتعتقد الاوساط نفسها بأن تصريح رايس يعبّر عن المأزق الاميركي على الساحة اللبنانية لأنه لا يستطيع إقرار سلاحه الرئيسي (المحكمة الدولية) المشهور في وجه سوريا والقوى الحليفة لها في لبنان حيث لا يمكن اقرار هذا المشروع الا بتوقيع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب حليفي سوريا في لبنان. بمعنى آخر، إن رايس تطلب من المعارضة أن تعطيها السكين لتذبحها بعدما عجزت عن تأمين سكينها الخاصة.
وتضيف هذه الاوساط أنه، بما أن اللبنانيين ليسوا اغبياء، فإن على رايس أن تنتظر ما تشاء، ولن تنتصر في لبنان، وأن مصيرها سيكون الهزيمة، مثلما في حرب تموز، مهما مددت المهل مثلما في تموز ايضاً، وحتى ولو وصلت الى ايلول المقبل فإن بعض اركان المعارضة يؤكدون انها أن لن تتعب ولن تمل في تحركها، وفي استطاعتها ان تكون في كل الساحات على الحدود وفي الداخل بحسب ما قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الجمعة الماضي، وأن من صمد 33 يوماً في الحرب يستطيع أن يصمد 33 اسبوعاً وينتصر في النهاية. ولتأكيد صمود المعارضة في مواقعها، كان كلام السيد نصر الله ايضاً بما معناه «ان من يرد استدراجنا وإلهاءنا في الجنوب ليمسك بزمام الداخل، أو بالعكس إلهاءنا في الداخل لاستباحة الجنوب واهم لأن المقاومة قادرة مع حلفائها على خوض المواجهة في اللحظة نفسها على الجبهتين الداخلية والخارجية. وحتى لو حاول البعض الضغط على الجيش لمصادرة سلاحها فهي قادرة على تأمين وسائل دفاعها مهما كانت الصعوبات».