نقولا ناصيف
كان الرئيس سليم الحص أمس في الرياض واستقبله الملك عبد الله بحفاوة. ويستقبله اليوم في دمشق الرئيس بشار الأسد. وسيكون السبت المقبل في طهران ليجتمع بالرئيس محمود أحمدي نجاد. ومحور الاجتماعات الثلاثة الأزمة اللبنانية التي تتقاطع تعقيداتها، والحلول المرتجاة لها، عند العواصم الثلاث.
وفي واقع الحال لا ينفصل تحرّك الحص عن موقعه طرفاً في منتصف الطريق بين الغالبية والمعارضة، وإن بدا أكثر اقتراباً من المعارضة. زعيم سني ورئيس سابق للحكومة، ومجرّب في الحكم وفي مقاربة العلاقات العربية ــــــ العربية والعربية ــــــ الدولية. يعرف سر دمشق في لبنان وسر السنة في لبنان وسر توازن الطوائف وتعقل الزعماء والقرارات.
لكن ثمة ما تتقاطع عنده الزيارات الثلاث للحص، وهو المعلومات التي كشِف النقاب عنها في الساعات الـ48 المنصرمة في بيروت، في ضوء حديث عن اقتراح سعودي غير رسمي بلغ إلى أركان في الغالبية الحاكمة والمعارضة، يرمي إلى فتح نافذة على حل سياسي متوازن ومتكافىء يخرج الوضع اللبناني من مآزقه السياسية والدستورية ويوقف استخدام الشارع في المواجهة والتشنج المذهبي الذي يتخبط فيه.
وتبعاً للمعلومات المحيطة بالاقتراح الجاري الحديث عنه، فإن الرياض تريد من خلاله جسّ نبض الأفرقاء اللبنانيين في إمكان التلاقي عليه قبل تبنّيه رسمياً، أو إدخال تعديلات تذلل تحفظات محتملة. وهو يتركز على آلية جديدة لتأليف حكومة وحدة وطنية لكون الأفرقاء جميعاً جهروا بتأييدهم تأليف محكمة ذات طابع دولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا تتعدى الاعتراضات بعض أحكام نظامها الأساسي.
ويتضمن الاقتراح السعودي العناصر الآتية للحل:
1 ــ تأليف حكومة وحدة وطنية من 30 وزيراً توزع الحصص فيها كالآتي: 15 وزيراً للغالبية، 10 وزراء للمعارضة، خمسة وزراء مستقلين ليسوا في عداد أي من طرفي النزاع، على أن يكون رئيس الحكومة من المستقلين.
2 ــــ لا تملك الغالبية في الحكومة الجديدة الأكثرية المطلقة من أصوات الوزراء لئلا تستأثر بقرار التصويت على القرارات العادية، ولا تملك المعارضة الثلث زائد واحداً لئلا تسيطر بدورها على آلية عمل الحكومة وقراراتها ومصيرها. بذلك تحصل الغالبية على الأكثرية المطلقة إلاّ واحداً (15 وزيراً)، والمعارضة على الثلث المعطل إلاّ واحداً (10 وزراء).
3 ــــ ما دام رئيس الحكومة بحسب المادة 69 من الدستور يجسّد إحدى الحالات الست لاعتبار الحكومة مستقيلة متى تقدم باستقالته، فهو يملك، منفرداً، امتيازاً ليس لأي وزير آخر، يجعله يمسك بمصير بقاء الحكومة أو رحيلها. أضف أن رئيس الحكومة، بصفته رئيساً لمجلس الوزراء، يقتضي ألا يتقدّم عليه وزير آخر بدوره وموقعه في السلطة التنفيذية، كأن يبدو الوزير الحادي عشر في معادلة 19 + 10 + 1 أكبر من رئيس الحكومة ويمثل الثقل الأكبر فيها، بحيث يكون في وسعه ترجيح كفة أحد الطرفين إذا جنح إلى خياراته على حساب الفريق الآخر، بما في ذلك رئيس الحكومة نفسه. وليست هذه حال الأخير الذي يمثل صوته في مجلس الوزراء ما يمثله أي من أعضاء الحكومة التي يرأسها. وعلى نحو كهذا فإن دور الحكم في مجلس الوزراء في الاقتراح المطروح يصحّ في رئيس الحكومة لا الوزير الحادي عشر، لرعاية التوازن السياسي داخلها وللحؤول دون طغيان فريق على آخر. مغزى ذلك ألاّ يكون الرئيس المقترح لحكومة الوحدة الوطنية من قوى 14 آذار.
4 ـــــــ تتجاوز المعادلة الجديدة (15 + 10 + 5) المعادلتين المتداولتين لتأليف حكومة الوحدة الوطنية اللتين تقول بهما الغالبية (19 + 10 + 1) والمعارضة (19 + 11)، وهي أقرب إلى إحداث توازن داخل مجلس الوزراء بين قوى 14 آذار ومعارضيها بحسب خطة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى: لا ثلثين مقررين لهذا الفريق ولا ثلث معطلاً لذاك.
5 ـــــــ تنشأ عن حكومة 15 + 10 + 5 ثلاث قوى في مجلس الوزراء هي الغالبية والمعارضة والمستقلون الذين يتزعمهم رئيس الحكومة. ويصار إلى الاتفاق عليهم مع المراجع الرئيسية، ومن بينها تلك الروحية، في البلاد. فلا يمثّل اختيارهم استفزازاً لأحد، ويتأتى من كونهم أقل قابلية وخبرة في التقلّب من موقع لآخر تبعاً لمصالح وطموحات وأوهام. ولا يتسببون مستقبلاً بأزمة حكم كالتي تخبرها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة منذ أشهر.
6 ــــــ ليس في حكومة كهذه غالب ولا مغلوب، بل من شأن رئيسها أن يجسّد صمام أمان استقرارها وأدائها لدورها، من غير أن ينحاز إلى أي من طرفي النزاع. والمقصود بذلك أن الغالبية تخسر رئيس الحكومة ولا تربحه المعارضة.
عملاً بما ينطوي عليه الاقتراح السعودي غير الرسمي، لم تتضح بعد ردود فعل عليه من طرفي النزاع. لكن جهات واسعة الاطلاع أبرزت ملاحظتين:
أولاهما، أنه كان مثار مناقشة في المحادثات التي أجراها في الرياض منتصف الأسبوع الفائت أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر لاريجاني مع المسؤولين السعوديين وأخصهم رئيس مجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان. وفي سياق البحث في هذا الاقتراح، استدعي رئيس الغالبية النائب سعد الحريري مساء الخميس الماضي إلى الرياض للاطلاع على نتائج الشق اللبناني في المحادثات السعودية ــــــ الإيرانية.
ثانيتهما أن الثغرة الرئيسية في الاقتراح، التي تمثّل مفاجأته في ذاتها، استبعاده السنيورة عن ترؤس الحكومة الجديدة أو أي مرشح آخر من قوى 14 آذار ومن الشخصيات السنية اللصيقة بتيار المستقبل، فيما سلسلة الاقتراحات التي دارت حول معادلتي 19 + 10 + 1 و19 + 11 انطلقت بلا تردد من ثابتي وجود السنيورة على رأس حكومة الوحدة الوطنية، واعتبار هذه توسيعاً لحكومة الـ24 الحالية تفادياً للخوض في تأليف حكومة جديدة. الأمر الذي سيُقابل، حتماً، برفض قاطع من قوى 14 آذار، وبرفض أكثر تصلباً من باريس وواشنطن اللتين تجدان في السنيورة الممثل الوحيد للشرعية الدستورية اللبنانية، وفي غالبية ثلثي الحكومة الحالية الممثلة الفعلية للشرعية الشعبية والوطنية للبنانيين.
وعلى غرار العقبات التي تضعها في طريق حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية الخارجة من اتفاق مكة، لن تتساهل الإدارة الأميركية في تأليف حكومة وحدة وطنية لبنانية تخرج خطتها من الرياض، وتجرّد قوى 14 آذار من معظم مصادر قوتها في السلطة التنفيذية، وتقصي السنيورة عنها.
والأحرى أن تحرّك الحص منذ أمس، وكذلك الدور الذي تضطلع به المملكة، يدفعان نحو خيارات جديدة في بناء السلطة اللبنانية والمعادلة الجديدة لتوازن قواها، إذا نجحا.