strong>البقاع - علي يزبك
تتلف القوى الأمنية، منذ عدة سنوات، حقول الحشيش والأفيون في منطقة البقاع، في الوقت الذي يشكو فيه المزارعون الأوضاع المعيشية الصعبة، ويتهمون الحكومات المتعاقبة بعدم تأمين زراعات بديلة. فهل يعود بعضهم للزراعات الممنوعة؟

لم تغب زراعة الحشيش والأفيون عن منطقة البقاع يوماً من الأيام، لكن القوى الأمنية كانت تقوم بحملات منظمة بشكل دوري في شهري حزيران وتموز من كل عام وتعمد إلى تلف المساحات المزروعة في المناطق الجبلية العالية والبعيدة عن الأنظار، التي تقلصت خلال السنوات الماضية إلى أدنى الحدود.
لكن مع بدايات العام الجاري بدأت تلوح بوادر إمكان عودة زراعة المخدرات «نتيجة انهماك القوى الأمنية بالأوضاع المتردية في البلاد»، وجراء المأزق السياسي الحاد ومراهنة بعض المزارعين على «إمكان تطور الأمور إلى الأسوأ».
وما يقوي احتمال عودة الحشيشة والأفيون إلى مناطق البقاع هو تهديد عدد من المزارعين بالعودة إلى «الزراعة» الممنوعة نتيجة الوضع الاقتصادي المأساوي، وجراء الخسائر المتلاحقة التي يتعرض لها المزارعون في مواسمهم «القانونية» الأخرى.
وفي هذا الإطار، يقول المزارع إبراهيم م. (40 عاماً) في بلدة سرعين التحتا لـ«الأخبار» إن «الوضع الاقتصادي بات في غاية السوء، في ظل الخسائر المتلاحقة التي يتعرض لها المزارعون. ففي الصيف الماضي أتلف موسم البطاطا بشكل كامل بسبب عدم القدرة على ري مئتي دونم خلال العدوان الإسرائيلي». وأضاف أنه استدان ثمن البذار بموجب شيكات مؤجلة، وأن وقت السداد قد حان، إلا أنه لا يملك من «العشرة آلاف دولار فلساً واحداً، ويضاف إليها تراكم الديون وأقساط المدارس» لأبنائه الخمسة، «فما العمل؟» يطرح السؤال ويجيب بلا تردد: «سأعود الى زراعة المخدرات اذا لم تكن هناك حلول سريعة!». ويضيف إبراهيم ان زراعة الحشيشة والأفيون تبدأ من منتصف شباط وتنتهي في منتصف آذار، مؤكداً أنه لن يدع هذه المهلة تفوته إذا لم يجد «آذاناً صاغية»، محمّلاً «الحكومة أولاً» مسؤولية وضعه.
لم تقتصر تهديدات المزارعين على النطاق الكلامي، فبالقرب من تلة في أحضان سلسلة جبال لبنان الغربية أنهى رشيد (30 عاماً) لتوّه زراعة ثلاثة دونمات من بذار نبتة الأفيون. وقال لـ«الأخبار» إنه يزرع مثل هذا البذار منذ خمس سنوات، وإنه لم يجن المحصول إلا في عام 2005، مبدياً رضاه عن مردود تلك السنة. وردّ رشيد إقباله على هذه الزراعة، التي وصفها بأنها «محظورة وفيها مخاطرة كبيرة»، إلى أن البديل غير متوافر على حد قوله. وذكر رشيد أن الحكومات المتعاقبة وعدت مزارعي الحشيش والأفيون بالزراعات البديلة، متسائلاً: «لكن أين هي؟ لقد أحضروا لنا نبتة الزعفران وقمنا كالمغفلين بزراعتها، لكنها لم تثمر». وأضاف: «هل يريدون من المزارع أن ينتحر لكي يرتاحوا منه ومن مشاكله، لأن الفنادق والشركات أهم؟». يمنّي رشيد نفسه بموسم وافر هذا العام، لأن «الوضع الأمني في البلد تعبان»، والقوى الأمنية مشغولة بأمور غير ملاحقة الزراعات الممنوعة.
أما المزارع أبو محمد مصلح فيؤكد على عدم القبول بالعودة إلى هذه الزراعة «التي تدمر الشباب»، ويصفها بـ«المحرمة دينياً وأخلاقياً وإنسانياً»، آملاً من «الحكومة الالتفات إلى منطقة البقاع التي عانت كثيراً من الإهمال». وأضاف: «إن أفق القطاع الزراعي مسدود لأنه ليس لدى الحكومة سياسة زراعية»، محذراً من عدم القدرة على إقناع المزارعين بألا يعودوا إلى زراعة المخدرات لوقت طويل. في المقابل أكّد مصدر في مكتب مكافحة المخدرات في البقاع لـ«الأخبار» أن القوى الأمنية «لن تتهاون في موضوع زراعة المخدرات من حشيشة وأفيون، والقانون يطبق بصراحة ويقوم المكتب بجمع المعلومات بشكل دائم عن كل من يزرع أو يروج أو يتاجر بهذه الممنوعات»، متوعداً المزارعين بعمليات تلف «في أواخر الربيع لأي قطعة أرض تُزرع في أي مكان».
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن بعض المزارعين في البقاع سيواصلون المغامرة بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم من خلال العودة إلى زراعة الممنوعات. تلك الزراعة التي كانت زاهرة إبان فترة الحرب الأهلية والتي يبدو أنها قد تعود مستغلة الأزمة التي تمر بها البلاد، وجراء غياب البدائل من زراعة «الممنوعات».