باريس ــ بسّام الطيارة
استضاف معهد العالم العربي في باريس احتفالاً لمناسبة الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري حضرته شخصيات عالمية وأرملة الرئيس الراحل وبعض أفراد عائلته، فيما غاب عن الاحتفال رئيس تيار “المستقبل” النائب سعد الحريري

«ثمة آلام لا تهدأ»، بهذه العبارة استهلّ الرئيس الفرنسي جاك شيراك كلمته، مؤكداً أن حزنه «لم يهدأ بعد» لفقدان صديقه، بعد عامين من اغتياله، فذكراه «لا تمرّ مع مرور الزمن»، حيث إن العالم «ما زال يقيس النتائج غير المحسوبة للاغتيال».
وإذ أشاد بخصال الحريري ومزاياه كرجل دولة قائلاً «رجل الإحسان والبرّ، قلبه كـــــــان كريماً، والتواصل معه كان حميماً، وصداقته ثابتة»، و«من العبث محاولة ملء الفراغ الذي نتج من غيابه، وإبعاد الحداد الذي ما زلنا نحمل ألوانه»، مؤكداً أن «محكمة دولية ستحدد المسؤوليات وتفرض العدالة».دعا شيراك اللبنانيين كافة إلى العودة الى «طريق الوحدة والالتفاف حول مصالح وطنهم العليا، تفادياً لانزلاق البلاد مجدداً نحو الحرب الأهلية، وفاءً للحريري، وتكملة للمسيرة نحو الأهداف التي ضحّى من أجلها»، لأن «كل عناصر عدم الانزلاق في الهوة الخطيرة متــــــــوفّرة، ولا أحد يريد إعادة هذا الكــــــــابوس»، مبدياً أسفه على الواقع اللبناني، حيث «يلقي شبح التمزّق والانشقاق والمواجهات بظلاله، مجدداً، على لبنان».
وفي «زمن الجنون القاتل، في عالم يتربّص به صراع الجهل»، شدّد شيراك على ضرورة «إبراز نموذج لبنان التعدّد في الخارج»، لأن ما كان يقوم به صاحب الذكرى «يمثّل مدرسة للمنطقة لتغيير الشرق الأوسط، على شاكلة ونموذج لبنان المتصالح مع نفسه»، و«رسالته تشير إلى أن استعمال العنف هو أسوأ الحلول، وأن التفاوض في أي مسألة كفيل برفع العقبات»، لافتاً الى أن حرب تموز الأخيرة «أعادت لبنان إلى أزمة حادة».
وتطرّق شيراك الى مستقبل العلاقات اللبنانية ــ الفرنسية، في ظل علامات الاستفهام التي تطرحها الانتخابات الفرنسية، مؤكداً أن هذه العلاقات «ستبقى، في ظل أي فرضية كانت»، لافتاً الى الدعم الدولي الذي تحظى به الحكومة اللبنانية و«الأكثرية».
ومن وحي المناسبة، أشاد الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان بالحريري «رجل الدولة والصديق».
بدوره، استهلّ وزير الاتصالات مروان حمادة كلمته بالإشادة بالحريري «الأسطورة والبطل، الرمز والشهيد، الظاهرة والنيزك»، الذي «ابتكر صيغ التقارب، وارتقى سلّم السياسة، خدمةً لقضية لبنان.. ومات لأنه حاول إخراج لبنان من فخ قاتل كان يجعل منه رهينة البعض وضحية البعض الآخر».
وآملاً أن يكون «شاهد إثبات» أمام المحكمة الدولية التي ستكلّف مهمة محاكمــــــــة قتلــــــة الحريري وباسل فليحان ورفاقهما، رأى حمادة أن الحريــــــري «ضحّى بحياته من أجل إنقاذ لبنــــــان، حــــــين كانت آفاقه مفتوحة على أسوأ الاحتمالات»، مضيفاً: «تقع الآن على عاتق أصدقائه والأوفياء له متابعة النضال، لأن لبنان يعبر الاضطرابات المحلية متأرجحاً بين الأعاصير الإقليمية والحرب نصف الباردة الجديدة التي تلقي بثقلها على العلاقات الدولية».
وبعيداً عن الكلمات التي ألقيت في الاحتفال، فإن أول ما تجدر الإشارة إليه هو استبعاد الكثيرين من أبناء الجالية الموجودين في فرنسا من الحضور، وهو ما ولّد لديهم الإحساس بالمرارة حيال «احتكار» الموالاة ذكرى الرئيس الشهيد الذي «أعطى من دون تفرقة بين اللبنانيين»، ودفع بهم الى طرح السؤال: «لمن تعود ملكية ذكرى الرئيس الحريري؟».
ولم يقتصر الاستبعاد على أبناء الجالية اللبنانية والكثير من العرب، بل طال الصحافيين اللبنانيين والعرب وبعض الفرنسيين.
وفي هذا الصدد، أشار أحد الصحافيين الى أن حضور شيراك يوجب «التصرف وفق مفاهيم الجمهورية»، والعرف يقضي بـ«أن تكون دعوة الصحافيين شفافة ومفتوحة، تبعاً لما يسمّى بكرفان الصحافة، حتى لو كان الاحتفال خاصاً»، لافتاً الى أن فرنسا «تضمن حق الإعلام في متابعة المسؤولين ورجال الشأن العام، انطلاقاً من حق الفرنسي وغير الفرنسي في المعرفة والاطلاع».
وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن العديد من الصحافيين العرب والفرنسيين طالبوا وزارة الخارجية بالاستعلام عن «هوية الداعي، وآلية توجيه الدعوات التي اعتمدت أسلوب الاختيار التفضيلي»، حرصاً منهم على «سدّ الطريق أمام الاستزلام وبناء علاقات تسيء إلى حق المواطنين في الحصول على إعلام حر».
إلا أن وزارة الخارجية الفرنسية كانت عاجزة عن الإجابة عن أسئلة الصحافيين. بينما تبرع بعض الصحافيين بتوزيع «اسم مسؤولة الإعلام في تيار المستقبل ورقم هاتفها». وتبين فيما بعد أن هذا «ليس بالمفتاح السحري»، إذ إنه لا «سر وراء عدم استعمال لوائح الصحافة العادية»، وأن الانتقائية لها أسباب بعيدة جداً عن أصول التواصل والإعلام، وتتجاوز الإطار اللبناني حيث إن صحافيين عرباً اضطروا «لتفعيل وساطاتهم» للحصول على دعوة، وقد اعترف بعضهم بأن رغبتهم في الحضور لا تقف فقط عند الواجب الإعلامي بل تتجاوزه إلى رد الجميل لرجل عربي كبير.
وقد اعترف بعض الصحافيين بعدم رغبتهم «في طرق باب تيار خاص للحصول على دعوة وكأنها هدية لهم» بينما هم يقومون بواجبهم الإعلامي.
ولم يقتصر «الاستئثار» على مجال الدعوات، بل تجاوزها إلى حصر «الوسائل الإعلامية»، فقد منعت كل وسائل الإعلام من إدخال معدات تصوير وتسجيل، وكان التصوير حكراً على تلفزيون المستقبل الذي «تعهد مد تلفزيونات العالم بمقاطع من المداخلات والخطب».
يذكر أن إدارة المعهد وضعت صالة الاحتفالات في تصرف الحفل «مجاناً»، اعترافاً بما قدّمه الرئيس الراحل للمعهد.