strong>حسن عليق
حكم القضاء اللبناني على رجل بالسجن شهراً واحداً عام 2002، ولا يزال منذ ذلك الوقت في سجن رومية، دون مبرر قانوني، وقد يكون السبب «ضياع» البريد المرسل من المحكمة إلى السجن

في لبنان، شخص منسيّ في السجن منذ أربع سنوات وسبعة أشهر وأربعة عشر يوماً... وليس المقصود أنه «ما إلو حدا»، وهي عبارة يطلقها نزلاء سجن رومية لوصف زملائهم الذين لا يزورهم أحد، بل المقصود شخص محكوم بالحبس شهراً واحداً منذ أكثر من أربع سنوات، ولا يزال «يعيش» في السجن منذ 7/7/2002. لم يعرف أحد به... في سجن رومية لا يعرفون... القوى الأمنية لا تعلم بالأمر... والموضوع خارج اختصاصها أصلاً... إذ لا أحد يستطيع الإفراج عنه إلا بقرار قضائي. لكن «قرار الحرية» كان قد أرسل بالبريد في عام 2002، لكنه «ضاع»، أو، بحسب قوى الأمن، لم يصل إلى سجن رومية. وحدها جمعية «عدل ورحمة»، علمت بأمر المسجون ظلماً ونسياناً، وحرّكت قضيته مع جهات قضائية. وعندما علم قاضي التحقيق في بيروت القاضي فوزي خميس بالأمر، أرسل في اليوم نفسه نسخة عن خلاصة حكم، بدلاً عن ضائع بيد محامية من «عدل ورحمة»، إلى سجن رومية للإفراج عن الموقوف، على أمل أن تصل هذه المرة. لكن، حتى مساء أمس، لم يطلق سراح السجين المنسيّ.
السجين المنسي يدعى ابراهيم أحمد حمادي، وهو فلسطيني، من مواليد فلسطين عام 1946. وبتاريخ 7/7/2002، أوقفته دورية من فوج الطوارئ في قوى الأمن الداخلي، وهو بحالة «السكر الظاهر» في شارع مونو، ولم تكن معه أوراق ثبوتية. خضع للتحقيق في فصيلة الأشرفية، وذكر في محضر التحقيق أنه أفاد بعدم وجود أقارب له في لبنان، وأن عناصر من الجيش السوري أخذوا أوراقه الثبوتية منه عام 1998، وأنه يسكن في «بورة» في جونية. كما يذكر محضر التحقيق أنه تعهد خلال الاستماع لإفادته بعدم «تكرار ما فعله». في اليوم التالي، وأمام النائب العام الاستئنافي في بيروت، «كرر إفادته الأولى»، حسب ما ذكر محضر الاستجواب، فقرر النائب العام إحالته «لحضرة القاضي المنفرد الجزائي في بيروت»، طالباً إدانته سنداً لأحكام المادتين 623 و770 من قانون العقوبات. وبتاريخ 11/7/2002، أصدر القاضي حكمه بسجن حمادي لمدة شهر واحد، وتغريمه مئة ألف ليرة لبنانية.
اتصلت «الأخبار» بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الذي كلّف على الفور ضابطاً من المديرية بمتابعة قضية الموقوف حمادي، فكانت النتيجة تأكيداً من قوى الأمن أن ملف حمادي في سجن رومية يشير إلى أنه «موقوف» بحكم القانون لأن مذكرة توقيف وجاهية صدرت بحقه بتاريخ 7/7/2002. وذكر الضابط المتابع للقضية أن إدارة سجن رومية لم تتسلم حتى اليوم أي خلاصة حكم لحمادي. وبالمقابل، أكدت مصادر قضائية مطلعة لـ«الأخبار» أن خلاصة الحكم أرسلت الى سجن رومية عام 2002 بواسطة البريد، بحسب ما يذكره الملف القضائي الموجود في قصر عدل بيروت،
تجدر الإشارة إلى أن الأحكام القضائية، التي تنص أحياناً على غرامات مالية، تقضي بالحبس يوماً واحداً مقابل كل عشرة آلاف ليرة في حال عدم تمكن المحكوم من دفع الغرامة. لكن، لا يوجد حكم قضائي أو نص قانوني يعوض على السجين المنسي حرمانه من الحرية لأربع سنوات بغير حقّ...
تبقى أسئلة بحاجة لإجابات: من هو المسؤول عن حجز حريته كل هذه المدة؟ وما هو موقف وزير العدل؟ وما هو موقف القضاة الذين يحمّلهم «النظام» مسؤوليات أكبر من طاقتهم، فلا وقت لديهم لزيارة السجون؟ ومن المسؤول عن الاستهتار بحياة الناس؟ وهل هذه هي الحالة الوحيدة في سجون لبنان، أم أن ما يظهر اليوم هو جزء يسير مما صنعته أيدي من أفسدوا «ميزان الله على الأرض»؟