عمر نشابة
استُحدثت أخيراً شركات أمن خاصّة في بيروت. وتمركزت هذه الشركات في مبان سكنية وفنادق وشقق مفروشة في مناطق الحمرا ورأس النبع والروشة وغيرها، ووظّفت عدداً كبيراً من الشباب الذين حضروا (أو استحضروا؟) من اقليم الخروب وعكار والبقاع ليستقرّوا في المدينة ويكسبوا عيشهم.
بناءً على النظرية «الوظيفية» -FUNCTIONALISM للمفكّر والعالم الفرنسي اميل دوركهايم، إن وظيفة الشرطة تعتمد على النشاط الجرمي. وبالتالي انخفاض معدل الجريمة يوجب خفض عديدها ومخصّصاتها المالية، والعكس صحيح. وبهذا المعنى يستطيع ضابط في الشرطة أن يتدرّج بسرعة فائقة مكافأةً له على كشفه العديد من الجرائم، ويحرم من تلك المكافأة اذا لم تتوفّر الفرص. أما الشركات الامنية الخاصّة، فوظيفتها تعتمد على ضعف الاجهزة الامنية الرسمية، بما فيها الجيش الوطني، وقصورها، وازدياد حالة عدم الاستقرار الامني في آن واحد. وبالتالي فلا حاجة ولا وجود للشركات الامنية الخاصّة عندما تكون الاجهزة الرسمية مسيطرة تماماً على الوضع الامني في البلاد. ولا يمكن تجاهل الحسابات التجارية والمالية لأنّ احدى الوظائف الاساسية للشركات الامنية هي المنفعة المالية والتوسّع الاستثماري. والقصد من اثارة هذا الجانب من وظيفة الشركات الامنية ليس البحث في نظريات المؤامرة بل اجتناب التحليلات الساذجة المبنية على فرضيات «المدينة الفاضلة»... لكن لا بدّ من التسليم بأن الشركات الامنية يزيد ربحها مع ارتفاع نسبة غياب الاستقرار الامني.
خلال سني الحرب الاهلية كانت بعض الميليشيات التابعة لأحزاب سياسية تؤدي مهمات لا علاقة لها بالسياسة، ومنها اعمال الحماية والامن على طريقة شركات الامن الخاصّة. فكانت الميليشيا هي التي تؤمّن سلامة ابناء المنطقة التابعة لها والمؤسسات التجارية والمصارف. ومع ضعف اجهزة الدولة الامنية وعدم قدرتها على القيام بواجباتها بسبب حال الفوضى، قامت الميليشيات ببناء دويلات أمنية داخل دولة فاقدة للأمن. بينما يدخل اليوم الاعتماد على الشركات الامنية الخاصّة في السياق نفسه.
تقوم الشركات الأمنية الخاصّة بتسييج دويلات وبؤر ومربّعات امنية، وتراقب الشوارع والمارّة وتتنصّت عليهم من خلال الكاميرات بحجّة الامن... هل هذا مقبول؟
(وبالمناسبة، نصحني احد الاصدقاء بعدم طرح هذا الموضوع لأنه «اذا صار شي انفجار بيقولوا انّو الحقّ على يلّي بينتقدوا الاجراءات الامنية»!)