أنطوان سعد
توقفت شخصية سياسية لبنانية مخضرمة بارزة أدّت دوراً مهماً في الستينيات والسبعينيات على خط العلاقات اللبنانية ــ السورية، عند ما نقله الرئيس سليم الحص عن الرئيس السوري بشار الأسد في شأن دعم دمشق لكل ما يتفق عليه اللبنانيون، في معرض كلامه عن التعديلات المطلوب إدخالها على نظام المحكمة ذات الطابع الدولي. ورأت أنه لا يمكن اعتبار هذا الكلام إيجابياً لأن التجربة علّمتها أن الكلام السوري عن دعم ما يتفق عليه اللبنانيون لطالما كان يعكس عدم موافقة القيادة السورية على الفكرة المطروحة، ويعني بالتالي أن دمشق تعوّل على حلفائها في لبنان لتفشيله.
فلو كان اللبنانيون قادرين على الاتفاق في ما بينهم، لما أصبح الملف اللبناني مجدداً موضوع تداول في العواصم الدولية والإقليمية ومن بينها سوريا. لذلك فإن كلام الرئيس السوري، إذا وضع في سياق المواقف السورية خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، يدفع المراقبين إلى القلق أكثر مما يحملهم على الاطمئنان إلى قرب التوصل إلى حل يخرج البلاد من أزمتها الراهنة. والأمثلة على ذلك كثيرة، ولعل أطرفها ما حدث في خريف عام 1980 إبان الأزمة الوزارية التي أثارتها حركة «أمل»، واستمرت تسعة وخمسين يوماً، اعتراضاً على عدم تمثيلها في حكومة الرئيس شفيق الوزان. إذ بعدما تمت تسوية المشكلة بإجراء مقايضة بين تسهيل أمر الحكومة مقابل غياب لبنان عن قمة عمان التي قاطعتها سوريا وتمنت على القيادة اللبنانية مقاطعتها، زار قائد قوات الردع العربية آنذاك سامي الخطيب وزير الخارجية السورية عبد الحليم خدام وطلب منه الضغط على حركة «أمل» لإنهاء اعتراضها. فأجابه خدام: «ما نحنا طلبنا منهم ذلك»، فيما كان الموقف السوري الرسمي المعلن أن دمشق على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين، وتتمنى توافقهم لحل كل الإشكالات التي تعطل العمل الحكومي!
وإزاء الموقف السوري الأخير واستمرار تعثر المبادرات العربية الرامية إلى حل الأزمة الراهنة نتيجة تصلب موقف طرفي النزاع في لبنان ومن يقف وراءهما إقليمياً ودولياً، وبعدما ارتدى الانقسام السياسي طابعاً طائفياً حاداً، استذكرت الشخصية السياسية المخضرمة السؤال الذي طرحه يوماً رئيس حزب الكتائب بيار الجميل: «أي لبنان نريد؟»، لكنها رأت أنه يفترض أن يسبق هذا السؤال سؤال آخر: «هل نريد لبنان؟» والمقصود مصطلح لبنان بحسب ميثاق العيش المشترك، وأدبيات التراث السياسي اللبناني وطموح اللبنانيين. وأضافت: «ليس المهم أن يكون ثمة مفهوم خاص لدى كل طائفة أو جهة سياسية في شأن رؤيتها للبنان ودوره، بل إمكان تحقيق تفاهم صادق ومخلص حول هذا المفهوم. وما دام الاختلاف في المفاهيم قائماً فليس من المنطقي طلب إيجاد حل جذري للخلاف بين اللبنانيين، لأنه حتى إذا تمكنت الوساطات من حل الأزمة الراهنة بنتيجة حصول تسوية بين مراكز القوى الإقليمية والدولية فإن مشكلات أخرى ستظهر وستقسم اللبنانيين عمودياً وطائفياً، عاجلاً أم آجلاً، كما يظهر لنا تاريخ لبنان المعاصر».
وبما أن الموقف السوري الذي نقله الرئيس الحص يعني أن الأزمة لا تزال في عنق الزجاجة، وبما أن المبادرات العربية متعثرة ما لم يطرأ تعديل في ميازين القوى أو في استراتيجية الدول المؤثرة، ترى بعض الأوساط المراقبة أنه يبقى أمر واحد لم يجربه المسؤولون بعد: أن يحاول الوزراء المسيحيون المستقلون، وخاصة وزير العدل شارل رزق، المعني مباشرة بملف المحكمة ذات الطابع الدولي، القيام بوساطة بين تيار المستقبل وحزب الله للتوصل إلى تسوية بينهما.
ولتبدأ المشاورات بعيداً عن الأضواء وليكتشف الوزراء المستقلون ما هي حدود التعديلات المطلوبة فإذا وافقوا عليها أو اقتنعوا بها أمكنهم فرضها على الحكومة تحت طائلة التقدم باستقالتهم. وفي هذه الحال يكفي أن يستقيل اثنان منهم لتصبح الحكومة مستقيلة. أما إذا لم يقتنعوا بالتعديلات المطلوبة في نظام المحكمة أو بالتنازلات التي يود بعض الجهات أن يقدمها آل الحريري، فيمكن إذذاك إعلان نتيجة المشاورات وبالتالي نزع ما يراه البعض ورقة التين التي تتستر بها المعارضة، أي المطالبة بتأليف حكومة وفاق وطني تتمثل فيها كل القوى السياسية. وليوضع كل شيء بتصرف الرأي العام وليتحمل كل طرف مسؤولياته أمامه: الموالاة، والمعارضة والوزراء المستقلون، إذا كانوا بحق مستقلين. وبذلك يصبح إطار البحث عن الحل لبنانياً داخلياً ويعاد الاعتبار إلى مجلس الوزراء كمؤسسة أناط بها الدستور صلاحيات السلطة الإجرائية.