strong>ثائر غندور ــ نادر فوز
تعطّلت الحياة الديموقراطية لدى أكثر من خمسة وسبعين ألف طالب في الجامعة اللبنانية بقرار صادر عن رئيسها، حفاظاً على «أمن الطلاب وسلامتهم». وفيما لم يبرز حتى اليوم موقف طلابي موحّد في ظلّ انعكاس الانقسام السياسي العام على الشأن الطلابي، تحضّر «المنظّمات المعارضة» نفسها لجولة من التصعيد بوجه هذا القرار

انقضى ما يزيد على خمسة أسابيع على إصدار رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكر قرار تأجيل الانتخابات الطلابية في جميع وحدات الجامعة. صدرت حينها عدة بيانات معترضة، وتوقفت الأمور عند هذا الحدّ. وساهمت أحداث العنف في الجامعات وما تلاها من إقفال في تغييب قضية الانتخابات الطلابية عن النقاش العام. وتشير مصادر عدد من الأساتذة المعارضين، إلى أن رئيس الجامعة وعد بتأجيلها لمدة أسبوعين فقط. أما رئيس الجامعة فأشار إلى نية إجراء الانتخابات حين تسمح الظروف، مؤكداً رفضه فكرة اللجان الطلابيةوإن كانت المنظمات الشبابية المعارضة لا تقوم بأي عمل إعلامي ينقض قرار رئيس الجامعة أو يدعو إلى إجراء الانتخابات، فهذا لا يعني أنها نسيت الموضوع. وتؤكد مصادر هذه المنظمات نيتها التحرك ضد القرار. وتوضح أنها تملك عدة خيارات، وإن كانت لا تريد الإعلان عنها. لكنّها تؤكد أن خيار إجراء انتخابات منفردة، أو الاعتصام أمام الكليات، من الأمور المطروحة للنقاش بجدية. وتلفت إلى أن قرار عدم التحرك حتى اليوم مرتبط بوعود حصلت عليها قطاعات الأساتذة الجامعيين من رئيس الجامعة بحلّ قريب، «لكننا لن ننتظر طويلاً». والجدير بالذكر أن قانون الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة لا يعطي رئيس الجامعة أو إدارتها أي حق في تأجيل الانتخابات الطلابية أو إجرائها.
في هذا الإطار، يستغرب رئيس اللجنة الشبابية الطلابية في التيار الوطني الحرّ فادي حنّا، أن يُمنع الطلاب الجامعيون من حقهم في التعبير عن رأيهم في بلد يدّعي الديموقراطية. ويعزو سبب تأجيل الانتخابات إلى «خوف الأكثرية من فوز المعارضة في أغلب الكليات، وهذا له أثر معنوي كبير». ويؤكد حنّا أن المعارضة تتدارس الخطوات المنوي اتخاذها «لاستعادة حقّنا الديموقراطي، انطلاقاً من حرصنا على الجامعة اللبنانية ومصلحة طالبها وقيمة شهادتها، ولا نريد أن نصل إلى يوم يستحي طالب اللبنانية بشهادته». ويشير إلى انفتاحهم على التعاون مع الجميع، و«المعروف أنّه في اليوم الذي تقرّر فيه السلطة أن تجري انتخابات، تجرى في اليوم الثاني».
في المقابل، يطرح مسؤول العلاقات العامة في جمعية شباب المستقبل سمير العشّي ضرورة تغيير قانون الانتخاب في الجامعة اللبنانية قبل إجراء أي انتخابات «حرصاً على التمثيل الصحيح». ويرى أن الانتخابات تصرّف ديموقراطي وضروري، لكن الوقت غير مناسب لإجرائها، «لأننا لا نريد أن ننقل جوّ التوتر إلى حرم الجامعة». ويشير العشّي إلى أن تيار المستقبل يناقش إمكان مقاطعة الانتخابات، إن حصلت، وخصوصاً في الحدث «لأن طلابنا يقاطعون الصفوف، ولا نريد تعريضهم للتصادم مع الميليشيات الموجودة هناك». ويستعيد العشّي أحداث العام الدراسي الماضي عندما «سُرقت صناديق الاقتراع». ويؤكد وجود «المستقبل» في كل فروع الجامعة اللبنانية ومعاهدها «ولسنا مضطرين أن نثبت ذلك»
أما الأمين العام لمنظمة الشباب التقدمي، ريان الأشقر، فرأى أنّ الهاجس الأول يكمن اليوم في توفير «جو من الهدوء السياسي والأمن والحرية» في الجامعة، يؤمّن جواً أكاديمياً مناسباً يسمح للطلاب بمتابعة دروسهم، معتبراً موضوع الانتخابات أمراً ثانوياً في هذه الفترة، على رغم «الأهمية الكبيرة التي نركّز عليها في مفهوم الديموقراطية وكيفية اختيار مجالس الفروع وإبقاء الانتخابات بعيدةً عن أية محاصصة طائفية»، أو أي نوع آخر من أنواع التحاصص.
وينتقد الأشقر قوى 8 آذار التي «تمارس نوعاً من التهديد تجاه قوى 14 آذار»، وطالبها بالحفاظ على الجو الهادئ في الجامعة اللبنانية وإبقائها «مكاناً للحوار رغم كل الخلافات السياسية».
بدوره، رفض مسؤول التعبئة التربوية في حزب الله يوسف مرعي تأجيل الانتخابات الجامعية. ووضع مرعي الأمر في خانة «سلسلة من الخطوات طلبت قوى 14 شباط من شكر تنفيذها»، فبدأت بتأجيل التدريس في الجامعة، و«بقرار الاشتراكي» عدم الحضور في الحدث، واستكملت في منع النشاطات السياسية وتأجيل الانتخابات. ويرى مرعي أنّ كل هذه الخطوات تأتي في سياق تعطيل «كل ما يسمّى بحياة نقابية وسياسية وديموقراطية» بهدف ضرب أي تحرك «يعبّر عن حاجات كل الشرائح الاجتماعية ومطالبها، ومنها الطلاب». وعن موضوع تأجيل الانتخابات، يقول إنّها «محاولة تعمية للوصول إلى تأجيلها والقضاء على مجالس الفروع نهائياً»، خوفاً من الكشف عن قلّة التأييد الشعبي لقوى السلطة. ويضيف أنه من خلال تعطيل هذه المجالس وجعلها غير شرعية، «ستنفّذ قوى السلطة هدفها في إدارة البلد بدون مشاركة الأطراف الأخرى».
المسؤول الإعلامي في مصلحة طلاب القوات اللبنانية، طوني درويش، يؤكّد ضرورة أن «تأخذ الحياة الديموقراطية مجراها»، وأن تكون الانتخابات شكلاً من أشكال الديموقراطية والتنافس الحضاري. وأعلن «أنه في المبدأ» ضد إلغاء الانتخابات، إلا أنّ الأوضاع الراهنة لا تسمح بالتزام اللعبة الديموقراطية. ويضع درويش تمديد ولايات «الهيئات» حلاًّ ثانياً، إذ إنّ تمديدها ليس مشكلة لطلاب القوات اللبنانية. أما عن «البدعة» التي اخترعها الدكتور جورج خليل، مدير كلية إدارة الأعمال والعلوم الاقتصادية ــــــ2 السابق، والتي تقضي بتأليف لجان توافقية، فقال درويش إنّ القواتيين يحترمون الموضوع، «لكن غيرنا لا يحترمه ولا يقدّرون المنافسة ضمن الحدود الديموقراطية». وأشار درويش إلى قرار خليل الذي كان يرمي إلى إلغاء الانتخابات وقتها في «الإدارة 2» بينما كانت الحياة السياسية تمرّ بشكل عادي في باقي الكليات الأخرى للجامعة اللبنانية. كما قال «لا تدار الجامعة وهيئاتها وسط أجواء تخاصم».





لا قانون يحكم «اللبنانية»بدوره، رأى أمين سرّ الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية الدكتور حميد حكم، أن قرار التأجيل ضروري، «ونحن في الرابطة لطالما وقفنا إلى جانب الحركة الطلابية وحاولنا توحيدها لأنها السند الطبيعي لكل تحركاتنا». لكنه قال إن الرابطة لا تتخذ موقفاً مع أو أي طرف أو ضدّه.
ويلفت الدكتور عبد الله زيعور (عضو رابطة الأساتذة)، إلى أن الأجواء حالياً أفضل من السابق، رغم أنه يعتقد أن ثمة قوىً لا تريد الانتخابات، «ونحن نحترم حق الطلاب باختيار ممثّليهم ومن يربح «صحتين على قلبه»، رغم أن هناك بعض القوى تدّعي الحضارة والثقافة، لكنها تتصرّف عكس ذلك.




مستقبل مجالس الفروع

مع بداية التسعينيات وعودة الحياة إلى فروع الجامعة اللبنانية بعد انسحاب الميليشيات منها، عاد همّ الانتخابات الطلابية يدغدغ قادة الشباب وقطاعاتهم في الأحزاب، لما لها من أهمية في التمثيل السياسي، وخصوصاً في كليات الجامعة اللبنانية التي تمثّل الساحة الأبرز لصراع السياسيين. إلا أنّ قرارات رئاسة الجامعة وضعت حدّاً لهذه المعارك الجامعية المتنقلة عبر إجراءات «وقائية».
أمام هذا الواقع لطلّاب «اللبنانية» ومجالسهم ثلاثة احتمالات ممكنة، لكنها لا تمثّل حلاًّ واقعياً للموضوع، إذ ليس بإمكانها ضمان الهدوء و«استتباب الأمن» في الكليّات.
يكمن الحل الأول في إمكان تأليف لجان طلابية توافقية بين التيارات السياسية في كل كلية، لعلّها تقوم بواجباتها تجاه الطلاب، حتى لو كانت عملياً غير مثالية، إذ تغيب المحاسبة وتسود الشراكة القائمة على حفظ المصالح بين الأطراف الأكثر تمثيلاً. هذه اللجان قد يكون مصيرها مثل غيرها من اللجان التي تألّفت سابقاً في كليات عديدة، فباءت تجربتها بالفشل، مثلما في كلية «إدارة الأعمال ــــــ2» التي نشب فيها خلاف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ففشل العمل التوافقي وعادت السلطة للقوة الجسدية.
إذا كانت اللجان التوافقية لن تضمن «السلم»، فاقتراح آخر يطرح نفسه عبر تمديد ولايات المجالس، الأمر الذي سيكون كارثياً، إذ لن تقبل الأطراف غير الممثَّلة في «الهيئات» هذا الاقتراح. فقد ترى أنّ من حقها المشاركة في القرارات الشرعية للطلاب، وأنّ حركة القواعد الشعبية في الكليات قد تغيّرت، مما يجعل هذه المجالس فاقدة للتمثيل الطلابي الحقيقي، فيكون «التمديد» قراراً لتفجير الأوضاع داخل الكليات.
الاحتمال الثالث الذي يمكن طرحه هو إلغاء المجالس الطلابية نهائياً، الأمر الذي لا يمكن إلا أن يكون صاعقاً لإشكالات يومية، وخلافات على أحقية توزيع «الكورات» والتعاطي مع الإدارة والأساتذة وتنظيم الندوات والنشاطات. إلا أنّ البعض يفضّل الطرح الأخير لما يشوب «الحركات» الطلابية من التحاق بالقوى السياسية وتمترس خلف الطوائف والمذاهب. أضف إلى ذلك أنّ بعض الأطراف السياسية تفضّل منع إجراء الانتخابات كي لا يظهر ضعف حجمها الشعبي على الساحة الطلابية.