طارق ترشيشي
توقف أحد أقطاب المعارضة عند الاجتماع الذي عقدته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أخيراً في عمان مع المسؤولين عن أجهزة الاستخبارات في عدد من الدول العربية، بعد زيارتها لبغداد لدى البدء بتنفيذ الخطة الأمنية البغدادية وفق استراتيجية الرئيس جورج بوش الجديدة للإمساك بالوضع العراقي، وتصريحها الشهير من «ساحة المعركة» بأن لبنان يمثل المتراس الأمامي للمشروع الأميركي في الشرق الأوسط.
ويعتقد القطب بأن هذه التصرفات الأميركية تدل على أن إدارة بوش أيقنت بأن الحل السياسي للإمساك بالملفات الساخنة في كل من لبنان وسوريا وفلسطين والعراق والملف النووي الإيراني، وصولاً الى أفغانستان، لن يؤتي ثماره أميركياً. ويلفت الى أن ما فاجأ الإدارة الأميركية وأصابها بالإرباك وبعض الذعر كان استفاقة «الدب الروسي» التي استُتبعت ميدانياً بتهديد رئيس أركان الجيش الروسي بقصف بولندا وتشيكيا في حال نشر الولايات المتحدة لمنظومة «الدرع الصاروخي» في أوروبا، وهو ما نقل المعركة الى الدائرة الحارة ودفع واشنطن الى ارتداء ثياب الميدان.
ويرى هذا القطب أن واشنطن عجزت عن الوصول الى أهدافها في العمل العسكري المباشر ضد خصومها في المنطقة بحيث انهزمت في لبنان، في عدوان تموز الماضي، ولم تحقق أي نجاح في العراق، واكتشفت أن منظومتها العسكرية الهجومية المتكاملة مع إسرائيل لا تستطيع التغلب على القوى المقاومة لمشروعها من مستوى «حزب الله» كحركة مقاومة الى مستوى إيران كدولة، ولذا لجأت على الأرجح الى العمل السرّي المخابراتي حيث تضرب من دون أن يراها أحد، وعبر أدوات يمكن أن تكون محلية. ولهذا عقدت رايس التي كانت تشغل سابقاً منصب مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي الاجتماع المخابراتي الأخير في عمّان لأنها أيقنت عجز أجهزة الاستخبارات منفردة عن الربح المباشر أو محاصرة المشروع المقاوم.
وواشنطن التي حشدت المنظومة السياسية العربية والأوروبية أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان وراحت تستدعي أو تستقبل بعض حلفائها في المنطقة، تعود اليوم الى سيرتها. ولأن لبنان يمثل من وجهة نظرها «المتراس الأمامي» في «النزاع بين التطرف والدول المسؤولة»، دعت رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لزيارتها، ما أعاد إلى الأذهان دعوتها له أثناء انعقاد مؤتمر الحوار الوطني العام الماضي، ليتكامل مع اجتماع عمان ومع «الطرود الأميركية» التي وصلت الى لبنان أخيراً لدعم «الديموقراطية الشابة» في لبنان، فتبيّن أنها عبارة عن هراوات ودروع وأجهزة كهربائية لم تعرف وجهة استعمالها، وجاءت شبيهة بقصة «كواتم الصوت» الشهيرة التي سبقت حصول بعض جرائم التفجير والاغتيال، وآخرها جريمة اغتيال الوزير بيار الجميل في 21 تشرين الثاني الماضي، وفي الآونة الأخيرة تفجير الباصين في بلدة عين علق المتنية، وقبل يومين اكتشاف الدولاب المفخخ في بئر حسن، وصندوقي الصواعق وأصابع «تي إن تي» في الأشرفية أمس.
ويقول القطب المعارض نفسه إن الأيام المقبلة ستشهد صراعاً محموماً بين المتضررين من الحلول المطروحة، وبين مؤيدي الحل السياسي الذي ترعاه السعودية وإيران، القائم على التزامن بين الحكومة والمحكمة، وتأجيل ملفّي رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية المبكرة ليتم البحث فيهما في حكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب، وتهدئة الشارع والإعلام، قبل الوصول الى «العملية الجراحية السياسية» التي حذّر منها الرئيس نبيه بري وهي «العصيان المدني» التي ستكون إذا ما حصلت بمثابة تدمير آخر جسر للتواصل أو للمفاوضات، وتجاوزاً لمطلب المشاركة، وإلغاءً لشعار اللاغالب واللامغلوب، لتقوم مكانه مرحلة سياسية تحت شعار الغالب والمغلوب.
ولا يستبعد القطب المعارض «لجوء أطراف في 14 آذار، مدعومة من الخارج، الى توجيه صدمات معنوية ومادية للجيش كمؤسسة ضامنة للسلم الأهلي وكحاجز منيع أمام الحرب الأهلية التي بشّر بها الملك الأردني عبد الله الثاني قبل بضعة أشهر عندما قال إن عام 2007 هو عام الحروب الأهلية في فلسطين ولبنان والعراق. وقد صدقت توقعاته في بلاد الرافدين وفلسطين، لكن لبنان ما زال يقاوم لكي يمنع نبوءة الملك الأردني من التحقق». ويختم بالقول: «حمى الله لبنان من التنبّؤات الملكية ومن الشعارات الأميركية ومن تواطؤ بعض الجهات المحلية، ليصل الى شاطئ الأمان حتى لا يكون 2 آذار المقبل موعداً للتشتّت اللبناني بدل أن يكون يوماً للحوار الوطني كما كان في العام الماضي».