وفاء عواد
حيادي إلى درجة تعجز الأسئلة عن استفزازه. «عتيق» في النيابة، إذ ذاق طعمها منذ 1972. احتجب عندما قاطع انتخابات 1992، وغاب بضعة أشهر في 2005 ليعود على صهوة جواد حيادي، بعد وفاة النائب إدمون نعيم، من دون أن تتقدّمه جوقة مدّاحين بالأجرة

الدكتور بيار دكاش «حيادي حتى العظم»، فـ«كل من يدخل مع أم العريس ويخرج مع أم العروس لا يعنيني»، لكنه ليس حيادياً في مبدأ الوفاق، ولا يضيره أن يكون من الأقلية، شرط أن تكون «الأقلية الحرّة».
في حديثه إلى «الأخبار»، ينفي دكاش نفياً قاطعاً أن يكون أحد فاتحه بطرح اسمه كـ«وزير ملك» لصيغة الحكومة التي تقترحها «الأكثرية» (19/10/1)، لا من قريب ولا من بعيد، ولا حتى بالإيحاء، فـ«المناصب والمكاسب لا تعنيني»، مع إبداء استعداده لـ«التضحية حتى بالدم، للخروج من النفق المظلم». وعن تصوره لدور «الوزير الملك»، يقول: «ليس إنساناً من دون طعم ولا رائحة ولا لون، ولكن ينبغي أن يحتكم الى ضميره، بما يحقق مصلحة لبنان، ويبقى على مسافة واحدة من الجميع».
وبوصفه النائب المحايد الوحيد في مجلس النواب، يصرّ على حياديته في الصراع بين المعارضة والموالاة الذي يصفه بـ«لعبة ولاد صغار، ولهوة للمساهمة في استمرار المؤامرة على لبنان». لكن الحياد «لا يعني التخلّي عن سلاح الموقف». لذلك، يرى أن هجوم «الأكثرية» على رئيس المجلس النيابي نبيه بري يصبّ في خانة «تحريض اللبنانيين بعضهم على بعض، تسهيلاً لمطامع الآخرين، وصولاً الى إسقاط كل السلطات، بما فيها السلطة القضائية التي بدأت بوادر إسقاطها تلوح من خلال تجاهل مشاركة القضاء اللبناني في المحكمة الدولية، عبر التهديد باللجوء الى الفصل السابع»، مشيراً الى أن بري «بذل كل الجهود، قبل الوصول الى الباب المسدود من جانب كل الأفرقاء، وهو لم يقصد يوماً أن ينحاز».
ووسط الأجواء المتشنّجة التي تلفّ جميع اللبنانيين، يفضّل تجنّب الأجوبة عن بعض الأسئلة، حتى المتعلّقة منها بدوره نائباً (المحكمة، قانون الانتخاب، رئاسة الجمهورية...)، «لئلا تشكّل بالنسبة الى البعض انحيازاً»، مؤكداً أن النقاط الشائكة المطروحة «ليست لبّ المشكلة، بل هي بالونات تجارب لمخطّطي المؤامرة على لبنان، توفيراً لما طرحته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس: مخاض عسير لولادة شرق أوسط جديد».
وعن إمكان عقد جلسة نيابية لإقرار المحكمة الدولية بغياب الرئيس بري، يرى دكّاش أن الأمر لم يطرح إلا من باب «التهويل»، رافضاً الإجابة عما اذا كان سيحضر جلسة كهذه، في حال عقدها، لأن «الموقف يتخذ في حينه»، مع تأكيده أن «مصلحة لبنان فوق كل المصالح والقوانين».
وبناءً على قراءاته ومتابعته للأحداث، يرى أن مشكلة لبنان الكبرى هي «فقدان الثقة بين مختلف الأفرقاء»، ليطلّ على الواقع الصعب: «لبنان مهدّد في كيانه ووجوده»، إلا أنه يستعيد تفاؤله: «عندما يشعر السياسيون في لبنان بأن الحد الأدنى وصل الى حدود الخط الأحمر، فإنهم سيعودون الى ضمائرهم».
وفي هذا السياق، يعتبر أن لبنان بمثابة «سيبة» بـ3 و4 أرجل «فقدت رأسها، فانشقت الى سلّمين، حمل فريق الجزء الأول وركّزه على الغرب، والفريق الآخر حمل الثاني وركّزه على الشرق»، مؤكداً أن «في ظل الخلافات بين الغرب والشرق، نحن ذاهبون ضحية لمصالح الدول الكبرى»، محذّراً من «سايكس ــ بيكو» جديد «يمكن أن يتحقق في غيابنا، ويقرّر عنا وطناً ليس هو بوطن»، مشدداً على أنه «لا خلاص من هذه المأساة سوى بوحدة الرؤيا والموقف والهدف».

وعن المبادرات المطروحة لحلّ الأزمة، يؤكد «اننا لسنا بحاجة الى وساطة أو شفاعة إذا اتفقنا. فكل المبادرات تبقى حبراً على ورق، إن لم يلتقطها اللبنانيون بوعي عام وتنازلات متبادلة. فإن لم تكن لنفسك واعظاً، كلّت عنك المواعظ»، ويتمنى لو بقيت المبادرات «محصورة باللبنانيين فقط، لأن الغرباء يعرفون الخطوط العريضة والكثير الكثير، لكنهم لا يعرفون التفاصيل، وفي التفاصيل تكمن الشياطين، كما استنتج الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى»، معرباً عن أسفه لكون «المبادرات خرجت من أيدي اللبنانيين، بإرادتهم ومشاركتهم وطلباتهم، ما يستدعي وقفة ضمير، في سبيل الإنقاذ، أو على الأقل لتخفيف الخسائر».
وإذ يطرح ست لاءات، يدعو لتطبيقها: «لا للشخصانية، لا للعائلية المتزمّتة، لا للطائفية البغيضة، لا للمذهبية المتحجّرة، لا للجيبة، ولا للدينة لبرّا»، كي «لا نصبح عبيداً بين العبيد»، يشير الى أن اتفاق الطائف «لم يطبّق نصاً ولا روحاً، بعدما أصبح كالطائر المحنّط، وما طبّق منه كان استنسابياً. فقد جاء في مقدمته: لا شرعية لأي سلطة تخالف ميثاق العيش المشترك، وكل السلطات التي مرت خرقت هذا الاتفاق».
«الملتقى»
وعن «الملتقى» الذي يرأسه، ويضمّ الوزيرين السابقين آلان طابوريان ويوسف سلامة والنائب عبد الله حنا والسفير السابق فؤاد الترك، يوضح أن فكرة هذه الحركة، البعيدة من كونها «قوة ثالثة»، جاءت نتيجة أبحاث أعدّتها مجموعة من المثقفين الناشطين في القضايا اللبنانية، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، الى أن توصّلت الى طرح «شرعة الملتقى» التي «تحضّ اللبنانيين على الالتقاء من أجل إنقاذ لبنان وإيجاد حلّ نهائي لمعضلته، بعيداً من التسوية التي هي فترة هدوء بين حربين»، مشيراً الى أن هذه الشرعة «اعتمدت في مسعاها على مبادرة بكركي التي نالت موافقة إجماعية من مختلف الأفرقاء، الموالين والمعارضين والحياديين»، مع إضافة موضوعين، بعيداً من تعديل ثوابت الكنيسة: «المطالبة بحكومة إنقاذية، وتأكيد ضرورة إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية، مدخلاً وحلّاً لكل الأزمات، بما فيها أزمة لبنان»، إضافة الى مشروعين: «أن يصبح لبنان المركز الثقافي الديني بين مختلف الأمم، وأن يكون مركز حوار بين الثقافات».
وفي هذا الإطار، يلفت دكاش الى أن البطريرك مار نصر الله بطرس صفير «بارك الدور الذي نقوم به، وقدّم الملتقى للرأي العام اللبناني والعالمي بكلمة تأييدية وتشجيعية»، كاشفاً عن «وجود نيّة لتوسيع الملتقى، ليضمّ كل الراغبين والناشطين والمؤمنين بهذه الرسالة، بصرف النظر عن انتماءاتهم»، مشيراً الى مؤتمر صحافي سيعقد مطلع الأسبوع المقبل بمشاركة نحو 20 شخصية «لطرح تصوّرنا للحلّ متكاملاً».
عن نظرته إلى مستقبل لبنان، فإنه لا يخفي تفاؤله بالقول: «هناك صخرة على نهر الكلب، نقش عليها الفاتحون فتوحاتهم ثم ذهبوا، ثم عادوا ثانية ثم ذهبوا من دون رجعة، وذلك من أيام رعمسيس الثاني حتى وصول شارون الى جوار قصر بعبدا... كلهم ذهبوا وبادوا وبقي لبنان، فلا تخافوا».
وفي ختام اللقاء، يذكر دكاش مشروعين «جبّارين» لا يزال يحلم بتحقيقهما كقاسم مشترك يجمع اللبنانيين، خارج نطاق التبعية والتدويل المرفوض: «أن يصبح لبنان المركز الإعلامي ــ الثقافي الأول في الشرق، والمركز الطبي الجراحي الأول في الشرق»، ويتبعهما بمشروعه الثالث (العقد الاجتماعي) المتمثل في «مقعد لكل تلميذ، سرير لكل مريض، رغيف لكل جائع، عمل لكل ناشط، سقف لكل عائلة، ضمان للشيخوخة والأمومة.. فالجوع لا يعرف طائفة أو تياراً»، خاتماً بالقول: «ولتبق المعارضة والموالاة في الساحات».