strong> راجانا حميّة
تجلس زوجة «الحبيب» أمام صورته وفي أحضانها يرقد «الجواد» الصغير، يحمل في يديه لعبة، وفي قلبه والداً لم يعد يجد منه سوى بضع صورٍ للذكرى يتأمّلها بصمت، علّه يعوّض تلك الابتسامة التي كانت تلاقيه في ساعات الصباح الأولى قبيل ذهابه إلى المدرسة.
ودّع الجواد والده مصطفى زلزلي في حرب تمّوز وشيّعه. وها هو اليوم يكرّمه طالباً في معهد العلوم الاجتماعيّة في الجامعة اللبنانيّة ـــ الفرع الأوّل، في قاعته وعلى أحد المقاعد التي جلس عليها يوماً. أمام عينيه، تنتصب صورة والده مع زميل «الدراسة... والشهادة» محمّد عبد الله، بين الشموع ووريقات الشجر والورود الحمراء، وإلى جانبه، تتزاحم «وصايا والده والرفاق من الوعد الصادق» على الجدران.
نام الجواد... تاركاً «الشوق إلى الحبيب» للوالدة ولرفاق لم يتعوّدوا الغياب أيضاً، «للقاعات والساحة والطرقات وحارات الضيعة» التي «افتقدت عاشقاً يبتسم في أصعب ظروف العشق». هكذا أراد الرفاق تكريم الغائبَين مصطفى زلزلي ومحمّد عبد الله، «رفيق الهدوء والأسرار الذي لم يتسنّ لنا معرفة الكثير عنه في سنة واحدة... نشتاق إليك».
زلزلي وعبد الله ليسا إلا اثنين من 19 «طالب شهادة» من الجامعة اللبنانية، أهدتهم التعبئة التربوية في حزب الله فيلماً وثائقياً يحمل عنوان «قافلة النور». تعرض «القافلة» لقطات للشهداء داخل حرم كلّية العلوم ــــ الفرع الأوّل، تتنقّل بين الممرّات والقاعات... هنا مقعد فارغ وهناك مقاعد كانت ملكاً لطلّاب «شهداء» مرّوا يوماً من هنا. منهم من غادرها متخرّجاً ثمّ شهيداً، ومنهم من غادرها شهيداً لبس ثوبه الأبيض قبل ثوب تخرّجه.
تستعرض «القافلة» أيضاً لحظات المرح واللعب والحب والجهاد لتصل إلى النهاية، إلى الشهادة فـ«ترحل قافلة لتحضر أخرى». وإلى «قافلة النور»، أهدى مدير معهد العلوم الاجتماعيّة الدكتور طلال عتريسي «تحيّات إلى مناضلين اختاروا أن يدافعوا عن الحياة التي نحياها نحن، بدمائهم وعمرهم وشهاداتهم». كذلك رأى أخ الشهيد زلزلي السيّد حسن زلزلي «أنّ شهادة أخي ورفاقه من الوعد الصادق كانت للدفاع عن الأمّة العربيّة بالنيابة عن العرب والمسلمين».
واختار عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن الدخول من «باب الشهداء» ليسأل النائب وليد جنبلاط عن «خططه المقبلة لتكريم من اختاروا الموت لأجل لبنان». كما طالبه بتوضيح «هدف الزيارة المقبلة إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة، وهل ستكون لتلقّي التعليمات للمرحلة المقبلة من الشرق الأوسط الجديد؟». و«طمأن» في الوقت عينه اللبنانيين إلى أنّ «الزيارة تنحصر في هدفين اثنين إمّا التصعيد وإمّا المماطلة بالحل وذلك يعود إلى ما وصلت إليه الولايات المتّحدة في مخطّطها». وحمّل الحاج حسن «جنبلاط وسمير جعجع مسؤولية تعطيل المبادرات والحلول وطاولات الحوار».
في هذه الأثناء، وصلت والدة الشهيد محمّد عبد الله بلباسها الأسود، تحمل في يديها منديلاً تكفكف فيه الدموع. جاءت لتتسلّم شهادة ابنها التي كان من المفترض أن يحملها بعد سنتين، حملتها ومعها شهادتا تقدير من رئاسة الجامعة اللبنانيّة ومن مجلس طلّاب الفرع، وسارت نحو صورته لتهنّئه. كما تسلّم السيّد زلزلي شهادات مماثلة إلّا أنّه فضّل تسليمها إلى ابن الشهيد.
ولم يُرد الدكتور عتريسي أن تمرّ «ذكرى الشهيدين من دون أثر»، لذلك فضّل أن يبقي شيئاً «من بصماتهما الخاصّة في قاعة تحمل اسميهما»، وقد فرشها الرفاق بالورود والشموع وزنّروا زواياها بصور الشهيدين: واحدة لعبد الله تحوطها بزّته العسكريّة وحذاؤه الذي استشهد به، واثنتان لزلزلي مع ولديه «الجواد والزهراء»، وإلى جانبهما قرآن جيبه وخاتمه وثوب تخرّجه.