إبراهيم عوض
يؤكد قطب بارز في «تيار المستقبل» أن كل ما تشهده البلاد من أحداث وتطورات مؤلمة بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مردّه الخلاف على مشروع المحكمة الدولية. ويقول «إن الأمور باتت واضحة، ولا تحتاج لأي شرح أوتفسير بعد أن «ذاب الثلج وبان المرج»، والمشكلة أوّلها المحكمة وآخرها المحكمة».
وبصوت تغلب عليه نفحة المرارة، يتحدث عن «اللقاءات التي عقدت والعهود التي قطعت بالسير بالمحكمة حتى النهاية لمعرفة حقيقة من قتل رفيق الحريري. إلا أن كل ذلك طار وتبخّر».
وإذا كان هذا القطب المقلّ في تصريحاته، والمعروف باتزانه وعدم اعتماده المواقف التصعيدية قياساً بآخرين من التيار الذي ينتمي اليه، قد آثر في مستهل كلامه عدم تسمية الجهة المقصودة في عتابه، إلا أن ما أورده لاحقاً أظهر أن شكواه موجهة نحو «حزب الله» تحديداً، وخصوصاً أن العلاقة بينهما لم تنقطع يوماً، وبقي التواصل قائماً حتى بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان كما يفيد أصدقاء للطرفين.
ولا يبدو القطب مقتنعاً بما يردده الحزب عن ترحيبه وتأييده لقيام المحكمة الدولية، ويعتبر تخوفه من التسييس ومطالبته بدراسة بنود في مشروع المحكمة لديه ملاحظات حولها بأنها «مبادرة لكسب الوقت وإدخال الموضوع في متاهات الجدال الذي لا يؤدي الى نتيجة».
وعن رأيه في موقف رئيس البرلمان نبيه بري تجاه المحكمة والذي لا يختلف عن نظرة «حزب الله» إليها، يسارع القطب الذي تربطه علاقة طيبة مع بري ويزوره باستمرار الى القول «الله يكون في عون الرئيس بري، فهو يفعل كل ما في وسعه لكنه عارف البير وغطاه».
ويبدي القطب نفسه، البادية على وجهه ملامح الحزن على فقدان الرئيس الحريري، استياءه مما وصل إليه مستوى الخطاب السياسي، لكنه يقرّ في الوقت نفسه بأن «الجميع فيهم البركة وبارعون في إطلاق الشتائم ضد بعضهم البعض». كما يستغرب بشدة أن تصل الأمور الى درجة يصبح فيها «لقاء أحدهم بالآخر من رابع المستحيلات ويحتاج الى وساطات ومبادرات على أعلى المستويات». ويذكر بأن الرئيس الحريري كان يجد مئة طريقة وطريقة لعدم إيصال الخلاف بينه وبين خصومه الى درجة القطيعة. ولا تفوته الإشارة هنا إلى أن «من يهدد بفتح ملفات الفساد، مركّزاً على وصول الدين العام الى 40 مليار دولار غامزاً بذلك من قناة الرئيس الشهيد، يتناسى عمداً بأن لبنان خرج من حرب دامت أكثر من سبعة عشر عاماً، وتعرض بعد ذلك لاعتداءات واجتياحات إسرائيلية متنوعة، آخرها الحرب التي شنت عليه الصيف الماضي، ولا يخفى على أحد بالتأكيد حجم الخسائر الفادحة التي لحقت بلبنان جراء كل ذلك وعلى كافة الصعد».
ويرفض القطب البارز في «المستقبل» الاتهامات التي توجهها قوى في المعارضة الى تياره بالوقوف وراء إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعزف على وتر التفرقة بين السنة والشيعة، ويؤكد بأن «تيار المستقبل» لا يألو جهداً في العمل على تعطيل كل ما من شأنه إلحاق الأذى باللبنانيين والتباعد في ما بينهم، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بأبناء البيت الواحد؟ وهو في ذلك لا يحيد عن المبادئ التي أرساها الرئيس الحريري، القائمة على الوفاق والتفاهم والعيش المشترك ونبذ الطائفية ومحاربة الفتنة، «لافتاً إلى أن الاعتصام الذي تقوم به المعارضة يوتّر الأجواء ويشلّ الحركة في البلد ويصيب المواطن في لقمة عيشه». كما يرى بأن «الحضور في ساحتي الاعتصام بات مقتصراً على طائفة واحدة وجمهور معين بعد أن انسحب الفريق المسيحي منهما».
ولا يجد القطب حلاً للأزمة الراهنة إلا بالعودة الى الحوار واتفاق الطائف، آملاً «أن يتّعظ الجميع مما لحق بلبنان فيسرعوا للجلوس معاً طالما هم مدركون بأنهم سيفعلون ذلك في نهاية المطاف».
وعن رأيه في ما قاله قريبون من الرئيس الحريري عن تعرضه للتهديد من قبل الرئيس بشار الأسد وعدم صدور أي شيء مماثل عنه وهو المقرّب جداً منه، أجاب بأن ذلك «لا يعني عدم وجود مسؤولية سورية في الجريمة»، ملقياً باللوم على المسؤولين السوريين «الذين لم يعرفوا كيف يتعاطون مع عائلة الرئيس الحريري المفجوعة بعد وقوع الجريمة حتى حصل ما حصل. وإذا كان من ارتباك مبرّر في تلك الفترة فقد أضاعوا على أنفسهم فرصة أخرى، حين قالت شقيقة الرئيس الشهيد النائبة بهية الحريري عبارتها المشهورة: «لن نقول وداعاً سوريا، بل إلى اللقاء سوريا»، مذكراً بأن العزاء الرسمي السوري الوحيد الذي تلقّته العائلة كان عبر اتصال هاتفي أجرته السيدة أسماء عقيلة الرئيس الأسد بالنائبة الحريري في اليوم التالي لوقوع الجريمة، هذا إذا اعتبرنا أن مشاركة نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام كانت بصفة شخصية لا بتكليف رسمي.