طارق ترشيشي
لم يتمكن رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط من إقناع كثيرين من الذين استمعوا إلى حواره المتلفز أول من أمس بعدم وجود تباين داخل فريق 14 آذار في مشاريع الحلول المطروحة، وفي مقدمها ما أنتجه المسعى السعودي ــــــ الإيراني. كما أنه لم يكن مقنعاً في تبريره لموقف الأكثرية المعارض لهذا الاتفاق الذي تبين وفق معلومات فريق المعارضة أن فحواه تقوم على المندرجات الآتية:
1ــــــ إقرار مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي بعد إدخال تعديلات عليها تُبعدها عن التسييس قبل تأليف حكومة وحدة وطنية.
2 ــــــ تأليف الحكومة على أساس 19 + 11.
3 ــــــ إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية.
4 ــــــ التوافق على رئيس للجمهورية من خارج الموالاة والمعارضة.
5 ــــــ وقف الحملات الإعلامية المتبادلة واتخاذ خطوات فعالة لتبديد الأجواء المذهبية.
وتفيد معلومات ترويها أوساط في المعارضة بأن المملكة العربية السعودية عندما دعت رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري إلى زيارتها أخيراً أطلعته بواسطة موفد ملكي على مضمون الاتفاق الذي صاغه الجانبان السعودي والإيراني ممثلَين برئيس مجلس الأمن الوطني السعودي الأمير بندر بن سلطان وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، ودعته إلى التزام هذا الاتفاق وأن يستعد مع حلفائه في 14 آذار لتلبية دعوة سيوجهها إليهم وإلى أركان المعارضة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز للاجتماع برعايته في قصر السلام في مدينة جدة لإعلان «اتفاق جدة» اللبناني بعد «اتفاق مكة» الفلسطيني.
وتضيف المعلومات أن الحريري الذي لم يتسنَّ له الاجتماع بالعاهل السعودي لبَّى رغبة القيادة السعودية وأبلغها موافقة مبدئية على الاتفاق، ملمحاً إلى وجوب الوقوف على رأي حلفائه. لكنه سارع إلى الاتصال بحليفه وليد جنبلاط ليبلغه بأنه «مضغوط»، فما كان من الأخير إلا أن أوفد إليه الوزير غازي العريضي الذي قيل إنه لم يقابل أي مسؤول سعودي.
ومن الرياض حاول الحريري الاتصال بوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أثناء وجودها في الأردن، وعندما لم يتسن له التحدث معها، اتصل بالملك الأردني عبد الله الثاني متمنياً عليه أن يبلغ رايس رغبته في تدخلها للتخفيف من «الضغط» الذي يتعرض له. وقيل في هذا المجال أيضاً إنه كانت لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة اتصالات للغاية نفسها مع ملك الأردن ورايس التي كانت ستزور بيروت خلال جولتها، لكنها غيّرت رأيها في اللحظة الأخيرة.
على أن تملص فريق السلطة من الحل السعودي ــــــ الإيراني عكسه رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الأحد الماضي عندما قال «إن هناك محاولات سعودية ــــــ إيرانية للمساعدة على التوصل إلى تسوية، لكن لا نعرف إذا ما كان فات السعودية القطار، لأن من يُحسب عليها لم تعد تمون عليه، في الظاهر يُحسَب عليها، لكن عملياً الأُم في مكان آخر، فالرضاعة للسعودية».
وتفيد المعلومات أيضاً بأن الرئيس نبيه بري وقيادات أُخرى في الموالاة والمعارضة أُبلغوا بالاتفاق الذي صاغه بندر ولاريجاني بواسطة السفيرين السعودي والإيراني عبد العزيز خوجة ومحمد رضا شيباني اللذين نشطا في عقد لقاءات مع قيادات من كل الاتجاهات. وتمكن بري من انتزاع موافقة المعارضة على البند المتعلق بإقرار المحكمة قبل تأليف الحكومة، وحصل منها على ضمانات بعدم عرقلته، وألّف لجنة من حركة «أمل» ومن تيار «المستقبل» اجتمعت أكثر من مرة وباشرت درس مشروع المحكمة وملاحظات المعارضة عليه، وفي الوقت نفسه راح يُحضِّر للقاء الذي أُعلن أنه سيعقده مع الحريري.
كما أن التوافق السعودي ــــــ الإيراني على مشروع الحل حظي بموافقة دمشق التي كانت مطلعة أولاً بأول على مجرياته. لكن الجانب الإيراني الذي انتزع موافقة المعارضة ودمشق على مشروع الحل توافق مع السعودية في الوقت نفسه على أن تعود الرياض إلى الإمساك بقوة بالملفين الفلسطيني واللبناني، إلا أن هذا الأمر لم يرق واشنطن التي سارعت إلى تحريض حلفائها المحليين على رفض الحل المطروح من خلال تصريحاتها العلنية أو من خلال اللقاءات الكثيفة التي عقدها سفيرها في بيروت جيفري فيلتمان مع أركان فريق السلطة، في الوقت الذي بدأ فيه تنفيذ اتفاق مكة يتعثر لحظة شروع إسماعيل هنية في العمل لتأليف حكومته.