عرفات حجازي
بعدما رسا الوضع على ما يشبه التعادل السلبي بين فريقي الموالاة والمعارضة، وبعد سفر الرئيس نبيه بري المفاجئ الى روما لحضور مؤتمر برلماني ومغادرة وليد جنبلاط الى واشنطن، أصبحت الساحة الداخلية أمام وقت مستقطع يعمل على ملء فراغه السفيران السعودي والمصري في حركة لا تهدأ على أطراف النزاع. وعلى رغم قناعتهما بعدم وجود معطيات جديدة تسمح بإحداث أي اختراق، فانهما يحرصان على حثّ الفريقين على تمديد مفاعيل الهدنة غير المعلنة إفساحاً في المجال أمام حركة المساعي التي لم تتوقف على الخط السعودي ــ الإيراني ــ السوري، وإن كانت الجمهورية الإسلامية أخذت مسافة من الوضع اللبناني لانشغالها بمتابعة ملفها النووي في مجلس الأمن.
ومع دخول المساعي المحلية والإقليمية دائرة المراوحة المؤقتة فإن الحراك السياسي اقتصر على بعض التسريبات الصحافية لقياديين من معسكري الموالاة والمعارضة أوحت بوجود مخارج سياسية وبلقاء سيحصل بين الرئيس بري وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري لأن أفق السعي الى تسوية ليس مقفلاً على رغم كل مظاهر التشنج، وحتى تصريحات جنبلاط النارية لم تقفل الأبواب بتأكيده انه يقبل بتسوية يضمنها العاهل السعودي.
وإذا كان زعيم الأكثرية سعد الحريري يؤثر الصمت هذه الأيام ويحجم عن الإدلاء بدلوه في تبادل فريقي الموالاة والمعارضة مسؤولية إفشال الحلول، فقناعة منه ان المساعي السعودية الإيرانية لا بد من ان تتوصل في نهاية الأمر الى صيغة حل متوازن بالنسبة إلى عقدتي المحكمة ذات الطابع الدولي وحكومة الوحدة الوطنية.
وإذا كان اقتراح الرئيس بري يرتكز على فكرة إعلان نوايا وينطلق من إنشاء لجنة مشتركة تتولى مناقشة ملف المحكمة ذات الطابع الدولي للتفاهم على التعديلات والتوضيحات المقترحة على مشروع المحكمة ولجنة أخرى تناقش ملف توسيع الحكومة وفق معادلة 19 ـ 11، قد تجمد مرحلياً حتى لا نقول سقط نتيجة اعتراض بعض حلفاء الحريري على هذه التسوية، فإن الآمال ما زالت موجودة في إمكان الخروج من الحلقة المقفلة وتذليل العقدة التي لا تزال في المحكمة وحكومة الثلث الضامن، إذ تطالب قوى 14 آذار بالأولى وترفض الثانية، وقوى 8 آذار تطالب بالثانية وتضع شروطاً للقبول بالأولى.
ويجزم قطب سياسي مستقل أن عقد المساعي لم ينفرط بعد وأن الطرفين يراهنان على ربع الساعة الأخير للوصول الى نتائج بعدما باتت اللعبة تدور على المكشوف، فلا أوراق مستورة في بيروت ولا في الرياض وطهران ودمشق، ولا مفر من العودة الى المقايضة والى نظرية التوازن والتوازي لأن المعارضة ليست في وارد التراجع عن الثلث الضامن والتقدم في موضوع المحكمة من دون تعديل نظامها، ولا الأكثرية بوارد التسليم بالثلث المعطل والتراجع في موضوع المحكمة الى أبعد من تعديلات شكلية لا تمس جوهرها، والمقايضة تبقى هي الحل الأسلم لتمرير المحكمة بتعديلات متفق عليها وتأليف الحكومة بثلث ضامن للمعارضة.
ومع أنه لا أحد في الموالاة والمعارضة يقول بانعدام فرص الحل، إلا ان فريق المعارضة يرى ان المشكلة ليست داخل لبنان وليست في الوساطات والمبادرات العربية الإقليمية بل هي حصراً موجودة في الإدارة الأميركية التي ترفض إعطاء أي مكاسب للمعارضة والإخلال بالتوازنات السياسية القائمة لمصلحتها. وفي تقدير أوساط المعارضة ان التسوية كانت في متناول اليد لكن كلمة السر الأميركية التي هبطت على بعض أركان قوى 14 آذار عطلت كل شيء لأسباب تتعلق بخطتها الأمنية في بغداد، وبالتالي فهي ليست على استعداد لفتح الأفق أمام حل سياسي فلجأت الى التخريب على الوفاق ومطالبة حلفائها بما ليس في مقدورهم تنفيذه سواء بالنسبة إلى إقحام سلاح المقاومة والقرار 1701 في معادلة التسوية، بالإضافة إلى إثارتها المستمرة لتهريب السلاح بين لبنان وسوريا للدفع بعوامل ضغط إضافية على المساعي الناشطة لإيجاد مخارج سياسية ودستورية للأزمة الراهنة.
وفي ظل هذا الجو المثقل بالانتظار ثمة رهان حقيقي على إعادة وصل ما انقطع في العلاقة السعودية - السورية التي ستكون في حال تطبيعها بمثابة مفتاح الحل للخلاف الدائر في لبنان، وما زيارة وزير الدولة السعودي عبد الله زينل لدمشق وتسليم الرئيس الأسد دعوة من الملك عبد الله لحضور قمة الرياض سوى إشارة قوية الى رغبة المملكة في طي صفحة الجفاء مع سوريا وإعادة صياغة الوضع العربي وتحصينه من الانهيارات بفعل الاهتزاز في العلاقة بين الدعامات الأساسية في البناء العربي.
وربطاً بكل ما تقدم ترى أوساط دبلوماسية في بيروت أن الأزمة أصبحت في شوطها الأخير من الحل لكن من المهم أن لا يبقى الفرقاء أسرى مواقفهم وان يمتلكوا شجاعة الإقدام لحل في اتجاه الآخر لأن الاستمرار في حال المراوحة سيحوّل لبنان ساحة لتصفية حسابات الآخرين على أرضه، منبّهة في الوقت عينه من مخاطر اللجوء الى التصعيد الذي قد يفلت من السيطرة ويجتاز الخطوط الحمر التي لا طاقة لأي طرف على تحمّل تبعات تجاوزها. وإذ تعترف هذه الأوساط بصعوبة إيجاد المخارج لأزمة تداخلت في تعقيداتها مع أزمات المنطقة فإنها تنصح بإدارة الأزمة على الأقل في هذا الوقت الضائع بانتظار ان يأتي أوان التسويات للملفات الساخنة من دون ان تسقط في المقابل عودة المخاوف من الهاجس الأمني بعد موجة العثور على متفجرات وقذائف في أكثر من منطقة، ما يشكل إنذارات مبكرة لاحتمال حصول حوادث أمنية تزيد من مخاطر انفجار الأزمة الخانقة.