strong>زوطر الغربية ــ كامل جابر
الخبرة في الجمع والتفجير لا تمنع الحذر من خطر محدق في أي لحظة

ليس سهلاً التوغل في حقل ألغام تدرك أنه مزروع بعشرات أو مئات القنابل العنقودية «المفخخة»، التي تزيد على عدد أشجار الحقل ونصوبه، لكن ما يخفف من وطأة هذا الدخول المغامر، أن يكون الدليل صائد القنابل ذا خبرة قلّ نظيرها، وحنكة باتت تتفوق على غدر القنبلة، جاعلاً لها عدّة من صنارة تحدد خطورتها، فإما أن تفجرها فوراً، أو ترسم آلية تفجيرها، وعصا تزيح أعشاباً متطاولة فتتيح اكتشافها.
انتظر حبيب ياغي، أبو أديب (61 سنة)، حتى شهر تشرين الثاني من العام المنصرم، ليدخل إلى حقله البالغ ستة دونمات، جنوب غرب بلدته زوطر الغربية، في محلتي الملّول وكرم النهر، «بعدما نظف الجيش بعضها، ولم يقم فريق ماغ بخطوة مماثلة، إذ إن الأولوية عنده كانت لتنظيف الحارات والأحياء المأهولة». ولأن الحقل مزروع بأشجار الزيتون التي حان أوان قطافها، ولأن المحيط تغطيه آلاف القنابل العنقودية التي ألقى بها العدو الإسرائيلي خلال عدوان تموز، امتداداً من يحمر فزوطر الشرقية ثم الغربيةوصولاً إلى قعقعية الجسر، وكلها تقع على الضفة الشمالية لمجرى نهر الليطاني، كان على «أبو أديب» أن يقوم بالمهمة «لكن ليس عشوائياً»، فراح يسأل ويستفسر عن هذه القنبلة القاتلة والفتاكة، من شبان سعوا بعد وقف إطلاق النار إلى جمعها أو تدميرها، من مصابين، من بعض المتخصصين، وخلص إلى معلومات دقيقة عنها «كلما دارت القماشة المربوطة ببرغي حلزوني، خلال طيران القنبلة، بعد انفجار القذيفة أو الصاروخ، يتحرك الجارور نحو الخارج، ليخرج تماماً، فينفلت «الناقر» المجهز بمضغط (رصور) ويضرب الصاعق لتنفجر القنبلة التي تتوزع أكثر من مئتي شظية توازي حبة السمسم، فتصيب بأثر بالغ إلى مسافة خمسة أمتار».
درس حبيب ياغي كل هذه المعلومات، «فعرفت عدوّي، وقررت محاربته، بعدما مسّ الأرض وزرعها رعباً وقتلاً وفتكاً، وأصاب أشجار الزيتون بأضرار بالغة». وحمل عصاه ليستند إليها في الطريق الوعرة الكثيرة الانزلاق، وكذلك ليضرب بها الأعشاب المرتفعة، بحثاً عن القنابل التي كان يظهر معظمها بشكل واضح ولا يحتاج إلى تنقيب. لا يمس ياغي القنبلة قبل مراقبتها عن كثب وبشكل دقيق، «لأتفحص الصاعق إذا انفلت من الحلقة أو بعد، ولأتأكد جئت بخيط طويل من نايلون لا ينقطع، مربوط بـ«صنارة» معدنية أعدها من أسلاك متينة نوعاً ما».
يعلق أبو حبيب الصنارة بالحلقة القماشية ويبعد عنها نحو ثلاثين متراً، بعكس مسمار القنبلة، ويأوي إلى خلف صخرة، ويشد خيطه، «فإذا كانت القنبلة لما تزل على حساسيتها تنفجر فور تحريكها، أو تنفجر بعدما تصطدم بحجر صغير، وإذا لم تنفجر خلال هذه العملية، يعني أنه يمكن حملها وجمعها في كومة حطب لتنفجر من الحرارة».
ويؤكد ياغي أن جميع القنابل العنقودية قابلة للتفجير، وهي ليست بآمنة، وإن كان صاعقها معطل أو تعرض لضربة أو صدمة، «لأن حشوتها هي التي تنفجر أولاً وأخيراً». في حقله اكتشف نحو 500 قنبلة عنقودية، فجّر الجيش بعضها، وتولى هو أمر نحو 200 منها.
يحمل أبو حبيب بعض هذه القنابل بيده، يشرح التفاصيل عنها، يقول: «هذه يمكنك أن تأخذها إلى البيت!». ألا تنفجر؟ «بالعكس، يمكن إذا ضربتها بقوة على صخرة، أو أشعلت النار تحتها، أن تنفجر بسهولة». ويروي كيف رمى إحداها «تحت العريض، وما إن انحنيت لألتقط رفيقتها، حتى انفجرت وتطايرت شظاياها نحو الأسفل، ونجوت منها لأنني كنت منحنياً وفوقها».
وهنا يؤكد ياغي أن الخبرة في جمع القنابل العنقودية وتفجيرها، لا تمنع الحذر من خطر محدق في أي لحظة.
في كثير من المواضع، بدأ العشب ينبت على ضفاف القنابل العنقودية غير المنفجرة، وغطت الأتربة الناجمة من انزلاقها بسبب المطر، العديد منها، ما يشير إلى خطر فعلي متربّص سيدوم إلى عشرات السنين، قد يصيب مقتلاً في أي لحظة. فمنذ وقف العدوان وحتى اليوم سقط ما لا يقل عن 57 شهيداً و186 مصاباً من القنابل العنقودية والقذائف غير المنفجرة من المواطنين والجيش اللبناني والفرق العاملة على نزع الألغام والقنابل العنقودية.