أدونيس
أصف جوزف سماحة بأنه الكثير الواحد. صباحاً، يحاول أن يمسك بضوء الشمس من يديه. مساءً، يحاول أن يمسك به من ذؤابته. ينظرون إليه، يقولون: ها هو يتبدّل. هو هناك غيره هنا. يقولون، يهرفون. لا يرون الشمس كُلاًّ. يرونها أجزاء: تارة يديها، تارة قدميها، تارةً ضفيرتها. لا يعرفون أنّه غيرُهم: يحاول أن يحتضنَها، أن يستضيء بضوئها ــ كاملاً، وكلّياً.
إنّه الكثير الواحد. رمز لأولئك الشبان المعذبين الذين أضنتهم الحياة في لبنانهم الذي يحبّونه. وأضناهم العملُ والفكر، وأضنتهم السياسة.
رمز لأولئك الحيارى، الضائعين في لُجّة المصادفات، الباحثين عن شاطئ. أولئك الذين يريدون أن يخترقوا بوجوههم واقع لبنانِهم الذي حوّلته السياسة الى جبل ضخم من الأقنعة. الأقنعة التي يلتصق بعضها فوق بعض، وتتراكم جبلاً ضخماً آخر داخل ذلك الجبل الضخم. الأقنعة التي يكاد الضوء نفسه أن ييأس من اختراقها.
ثمة رواقٌ عالٍ عالقٌ في فضاء لبنان. رواقٌ رحبٌ كهذا الفضاء يبنيه تاريخُ الآلام. فيه، يجلس الآن إلى نهاية هذا التاريخ، الى جانب أشخاص كثيرين.
يجلس صامتاً غاضباً ويكاد أن يبكي، شخصٌ كثيرٌ واحدٌ اسمه جوزف سماحة.
(باريس، 25 شباط 2007)