جورج شاهين
فيما تتجه الأوضاع إلى المزيد من التأزم بين أهل السلطة والمعارضة، تتواصل رسائل التهديد والوعيد المتبادلة بينهما بفضح المستور وخفايا الأمور، في وقت تجمدت فيه الاتصالات والوساطات العربية والدولية التي كان يقودها المسؤولون السعوديون والإيرانيون والأمين العام للجامعة العربية والوسيط السوداني ممثل رئيس القمة العربية الدورية للعام 2006-2007، وتقدمت الملفات الإقليمية الساخنة على الملف اللبناني. وهو أمر كانت تخشاه أكثرية المراجع اللبنانية التي كانت تدعو إلى الإفادة من الدعم الدولي غير المسبوق الذي حظي به لبنان في لحظة تاريخية قد لا تتكرر.
وفي الوقت الضائع الذي نجم من توقف الوساطات الدولية، بدأ طرفا الصراع البحث في «الدفاتر العتيقة» وتبادل الاتهامات، فظهرت خلال اليومين الماضيين في وسائل الإعلام التقارير السياسية «المؤرشفة» بعناية، والمؤرخة بدقة أوحتها الموالاة بداية ثم المعارضة، بعدما هدد رئيس المجلس النيابي نبيه بري بـ«بق البحصة» قبل نهاية الشهر الجاري، فعادت في رواياتها بالوقائع إلى المرحلة التي اندلع فيها الصراع بعد جلسة مجلس الوزراء الشهيرة التي عقدت في 11/11/2006 والتي فقدت فيها الحكومة التمثيل الشيعي كاملاً وثلث التمثيل الأورثوذكسي، وبدأت مهمة الوسطاء وسعاة الخير، في محاولة للإشارة إلى الكمائن التي نصبها الفريقان لمشاريع التسوية السعودية والإيرانية وتلك «البلدية» منها.
وفي هذا الإطار اتهمت مصادر المعارضة الفريق الحكومي بقيادة السنيورة بالسعي إلى استثمار السلطة في كل شاردة وواردة منذ بدء الأزمة. وبعد قصة الشهر الإضافي للعسكريين وحفلات التمنين بهذه الهدية الرمزية للعسكريين ومحاولة استخدامها لرشق رئيس الجمهورية بالتهم وإحراجه بالسعي إلى نيل توقيعه على مرسوم صرفها، على رغم موقفه المعلن من قضية توقيع أي من مراسيم هذه الحكومة لفقدانها شرعيتها الدستورية والميثاقية بعد جلسة 11/11، ما زالت دوائر رئاسة الحكومة والهيئة العليا للإغاثة، ومنذ نهاية حرب تموز إلى اليوم، تدرس ملفات المتضررين من تلك الحرب، وتوزع بيانات يومية بالأرقام عن عشرات القرى وآلاف العائلات المستفيدة منها من دون صرفها على الجنوبيين حتى الأمس القريب.
وتقول المصادر المعارضة إن الفضيحة الكبرى هي ما سمته «قضية مقاضاة إسرائيل» التي انطلقت إبان الحرب الأخيرة وتحديداً في الأيام التي سبقت التوصل إلى القرار 1701 ووقف العمليات العسكرية في الجنوب في 14 آب، عندما كشفت التقارير الإعلامية استخدام إسرائيل القنابل الانشطارية والعنقودية المحظورة دولياً، الأمر الذي يخالف ما نصت عليه المعاهدات والمواثيق الدولية، فناقش مجلس الوزراء في حينه فكرة التقدم بشكوى ضد العدو الإسرائيلي، وكلف وزارة العدل القيام بهذه المهمة، واكتفى لبنان في حينه برفع ملف مفصل ومدعم بالصور والوثائق إلى مجلس الأمن وعمّمه على الدول الأعضاء.
وتضيف المصادر أن [email protected] الأمر لا يقف عند حدود المماطلة في تقديم الشكوى، بل تتهم الحكومة ووزارة العدل باستغلال هذه القضية إعلامياً وسياسياً بهدف ذر الرماد في العيون، والتدليل على ان هذه هي «الحكومة المقاومة». وروت المصادر جوانب مما سمته «مهزلة» مقاضاة إسرائيل فتوقفت عند المحطات التي مرت بها هذه القضية منذ التفكير فيها إلى اليوم على الشكل الآتي:
ــ في نهاية تموز الماضي وبداية آب طرحت القضية على مجلس الوزراء، وأعلن وزير الإعلام تكليف وزير العدل دراسة أفضل السبل لتحديد الهيئات الدولية التي يمكن رفع الدعوى لديها، وأعطيت التعليمات في حينه للاستعانة بوزير العدل السابق بهيج طبارة ونقابتي محامي بيروت وطرابلس.
ــ في الأسبوع الأول من آب وقبل أن تنتهي الحرب، سلم طبارة دراسته القانونية ووضعها في تصرف الوزير رزق.
ــ في بداية أيلول رفع رزق تقريراً مقتضباً إلى رئيس الحكومة طالباً من مجلس الوزراء الموافقة على مبدأ المقاضاة أمام المرجعية الدولية المناسبة، وأرفق المقترح بدراسة طبارة القانونية، متمنياً السماح له بإجراء الاتصالات مع مكاتب ومحامين دوليين لمعاونة هيئة القضايا والتشريع في وزارة العدل لتحضير ملف الدعوى.
ــ في 2/10/2006 وضع رئيس الحكومة طلب رزق بنداً على جدول أعمال مجلس الوزراء، فنال الموافقة.
ــ في 29/11/2006 رفع رزق تقريراً آخر إلى مجلس الوزراء أبلغه فيه حصيلة الاتصالات مع المكاتب والمحامين الدوليين، وطلب موازنة مبدئية قيمتها مليون و600 ألف دولار أميركي، متمنياً وضعها سلفة في تصرفه تحضيراً لبدء العمل بهذه الخطوة.
ــ في 12/1/2007 وضع السنيورة طلب رزق على جدول أعمال مجلس الوزراء لبتّ السلفة، فتمت الموافقة على المبدأ.
ــ وفي آخر جلــــــــــسة لمجلــس الــــــوزراء يــــــوم الثلاثاء الماضي وافق المجلس نهائياً على الخطوة، وأعطيت السلفة لوزير العدل كي يباشر الإجراءات القانونية المحلية والدولية.
وتختم المصادر بتهكّم: بعد ثمانية أشهر على إطلاق فكرة مقاضاة إسرائيل قررت هذه «الحكومة المقاومة» القيام بالخطوة، والى أن تقدم الشكوى وتأخذ الإجراءات القانونية طريقها قد تمر سنوات، هذا إذا سمحت الوصايات الأميركية والفرنسية الاستمرار بها. وإن كان ذلك رهناً بما سيكون عليه القرار السياسي، فالمؤكد أن هذه الحكومة لن تقاضي إسرائيل، وستكون دعواها من الإرث الذي ستتركه لخليفتها، والأسابيع المقبلة ستحمل بالتأكيد الأجوبة النهائية عن هذا المسلسل الطويل، وما على اللبنانيين إلا الانتظار!