أنطوان سعد
لم يسبق للرابطة المارونية أن شهدت، منذ تأسيسها عام 1952، هذا القدر من الاهتمام في شؤونها من جانب النخب المارونية. ولعل أبرز سببين لهذا الاهتمام الكبير هما: انتهاء زمن الهيمنة السورية على لبنان الذي كانت حرية العمل السياسي خلاله مفقودة، وحال الاستياء التي تعم الموارنة عموماً بعدما تبين أن انحسار الدور السوري لم يؤد حكماً إلى عودة الأمور إلى نصابها. ففي سنوات السيطرة السورية المطلقة التي استهدفت الموارنة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية بموجب مرسوم التجنيس الصادر عام 1994، وضربت حضورهم في المؤسسات الدستورية والإدارة والمؤسسات العامة، كان الموارنة مشغولين خصوصاً في كيفية مواجهة دمشق. وكانت الأوساط المارونية، بعدما ضُربت كل القيادات التي لم تنصع للاستخبارات السورية، تعمل في لبنان والخارج على إبقاء جذوة الممانعة مشتعلة، غير آبهة بالعروض التي كانت تأتيها، من حين إلى آخر، بتعزيز حضور الموارنة في المعادلة اللبنانية مقابل الصمت عن الدور السوري والدخول في تسوية ما معه.
كانت مفاجأة المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً كبيرة بعدما تبين لهم أن القوى التي صمتت عن الدور السوري المستهدف لهم ولدورهم في المعادلة اللبنانية، وشاركت فيه واستفادت منه، غير مستعدة لأن ترد للمسيحيين حقهم في المشاركة الكاملة في عملية إدارة الدولة. وتبين لهم أيضاً أن القيادات غير المسيحية مزمعة على الحفاظ حالياً على المناصفة في العدد لا في صحة التمثيل، بحجة أن المسيحيين باتوا ديموغرافياً أقل من الثلث. ولا بد من الإشارة إلى أن الأرقام التي جرى التداول بها، وبعضها زعم أن المسيحيين في لبنان لا يتجاوزون العشرين بالمئة في أفضل الأحوال، هي أرقام خاطئة. وقد أثبت الباحث يوسف شهيد الدويهي بما لا يقبل الشك، في دراسة قيّمة خرجت قبل أيام قليلة من المطبعة، أن نسبة المسيحيين في لبنان اليوم هي 34,96 في المئة. وأكد الدويهي لـ «الأخبار» أن «هذه النسبة يمكن أن ترتفع بأقل تقدير إلى 42 في المئة، إذا أقدم اللبنانيون الحائزون الجنسية اللبنانية والمقيمون في الخارج على تسجيل زيجاتهم والأولاد الناتجين منها». أما إذا ألغي مرسوم التجنيس المطعون فيه والصادر عام 1994، فيمكن أن تتغير النسب أيضاً في شكل ملحوظ، فضلاً عن أن عامل الاستقرار لطالما أدى دوراً مهماً تاريخياً على المستويات الديموغرافية والسياسية والاقتصادية والثقافية لدى الموارنة.
إن الأوساط المارونية تشعر اليوم بأن الحال المتردية التي وصلت إليها في السنوات الأخيرة، يجب وضع حد سريع لها والشروع في عملية استنهاض على الصعد كافة. وفي هذا الإطار، يمكن فهم إقدام شخصيات مارونية بارزة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وإعلامياً ومالياً وإعلانياً، إضافة إلى النخب التي كانت ولا تزال معنية، على التقدم من انتخابات الرابطة المارونية المقرر إجراؤها في الخامس والعشرين من آذار المقبل. فالرابطة تضم 716 كادراً مارونياً منتمين إلى قطاعات مهنية مختلفة: 22سفيراً، 87 محامياً، 13مصرفياً، 20من مصرف لبنان، 51 قاضياً، 38 من القطاع الطبي، 77 ضابطاً متقاعداً، 48 من المجلس العام الماروني، 20رئيس بلدية، 10سياسيين، 47 نائباً، 19موظف فئة ثانية، 15جمارك، 10تفتيش مركزي، 22رجل أعمال، 13صناعياً، 28مهندساً، 11 وزيراً، 45 أستاذأً، 11 مار منصور والصليب الأحمر، 6 اتحاد عمالي، 15 تاجراً، 26 مختلف. وحتى إقفال أبواب الرابطة بعد ظهر أمس، نصف عدد المنتسبين بالتمام أي 358 شخصاً، سددوا اشتراكاتهم.
لا يزال الترشيح مقتصراً على اللائحتين المكتملتين اللتين لم تعلنا رسمياً حتى الآن، الأولى برئاسة رئيس اتحاد المصارف العربية جوزف طربيه والثانية برئاسة الرئيس السابق للرابطة حارس شهاب بعدما أحجم النقيب سمير أبي اللمع عن تشكيل لائحة ثالثة مبدياً استعداده فقط لأن يكون مرشح توافق. وفي هذا الإطار، يسعى الرئيس الحالي للرابطة الوزير السابق ميشال إده إلى تأليف لائحة توافقية إذا ارتضى المرشحون «لأنه في الظرف الدقيق الذي نجتازه على الموارنة أن يلعبوا دوراً أساسياً ومن الأفضل أن يكونوا فيه موحدين». لكن ذلك لا يعني أن الوزير إده قلق من حصول انتخابات لأن «كل المرشحين محترمون ويتنافسون لمصلحة لبنان، وهذا دليل عافية. أمنيتي، وأمنية السيد البطريرك، ألا ننزلق إلى معركة انتخابية، بل البقاء في إطار المنافسة لخدمة لبنان والموارنة، فهما صنوان».