غربي بعلبك ـــ رامح حميةما بين إضاءة وتقنين، و«راحت وإجت.. وطفت وضوّت»، ترزح قرى غربي بعلبك في عتمة عصرية لا تزيدها إلا حرماناً وضرائب تليها نقمة، ولا ينتج عنهما إلا تيار ضعيف متردد، أقرب للرضوخ والاستسلام منه إلى الثورة والاحتجاج، فالعذر دائماً موجود والحجة جاهزة ودامغة لدى الدولة وشركة الكهرباء.
وفي «عتم» الإهمال والاستهتار، وتحت رحمة انقطاع الكهرباء الذي يوشك أن يكون دائماً ومستمراً وفاتورة لا ترحم، بات المواطن ملزماً بالبحث عن مصادر بديلة، يفترض أن الدولة ملزمة بتأمينها وتتقاضى عنها رسوماً وفواتير أثارت الجدل في الآونة الأخيرة.
أحد أبناء المنطقة عبد الله المستراح، صاحب محل تجاري، رأى أن انقطاع الكهرباء مربك ومكلف، يحتاج يومياً إلى مبلغ ستة آلاف ليرة ثمن محروقات للمولد، أي ما يعادل 180 ألف ليرة شهرياً، تضاف إليه فاتورة الشركة التي لا ترحم أيضاً. وفي حال عدم القيام بهذه الخطوة، فإنه سيخسر بضاعته من ألبان وأجبان ولحوم مثلجة وتصبح تالفة غير صالحة للبيع.
أمام هذا الواقع وما يشهده المواطن من تقنين وتقطير في كل شيء ما عدا الفواتير، يلفّ العتم قرى غربي بعلبك من ساعات تقنين فاقت 16 ساعة يومياً، تضاف إليها ساعات انقطاع مفاجئ لا تعرف أسبابه ولا يتم بيانها. وعن ذلك يشير حسن مشيك إلى أن الكهرباء تعتبر مأساة، لا تزال حاضرة في قرانا، بدءاً من ذلك العمود الخشبي الذي نخره السوس، وصولاً الى محولات صغيرة لتغذية قرية بكاملها، كما هي الحال في مزرعة «مصنع الزهرة» إذ تمّ تركيب المحوّل بقوة 100 فولت منذ عام 1963 وهو لا يكفي لإضاءة عشرة منازل.
ويضيف مشيك أن الأنكى في التيار الكهربائي، أنه يستسلم مع «أول شتوة»، ومع ذلك ففاتورة الشركة لا مفرّ منها. وعن البديل يقول مشيك: «بما أنه لا وجود لمولّدات خاصة بالاشتراك نظراً للمداخيل البسيطة، فلا يبقى لنا إلا البحث عن مخلفات أجدادنا لنرممها بهدف استعمالها من جديد».
عبارة «الكهرباء مقطوعة» باتت تعني شللاً يلفّ المحال والبيوت والشوارع، ما يضفي عتمة عصرية في قرى غربي بعلبك، فتنعدم الحياة مع هبوط الليل لتصبح مسرحاً لأشباح الظلام، ولا يسع المواطن الفقير إلا أن يصبح إما من أولئك الذين ناؤوا تحت عبء شراء مادة الغاز لإضاءة «اللوكس» أو الذين يشحنون بطارية عند جيرانهم من أجل لمبة «نيون»، أو من أولئك المشتركين عند أصحاب المولدات، باشتراكات فاقت في بعض المناطق 45 ألف ليرة، وفي بعضها الآخر 35 ألف ليرة. ويقول حسين حمادة، صاحب أحد المولّدات في بلدة شمسطار: «إن المواطن العادي ينوء براتبه المحدود تحت عبء المصاريف الإضافية والفواتير، والمدفوعات المستحدثة على ميزانية البيت، لذلك لا نستطيع رفع سعر الاشتراكات أكثر من ذلك، وإلا سأخسر زبائني. ومن ناحية ثانية أحاول الحفاظ على الاستمرارية في عملي، وخاصة أمام غلاء سعر المحروقات وزيادة ساعات التقنين والانقطاع الإضافي المفاجئ».
وعليه، فالمواطن الفقير في غربي بعلبك قد أدمن الحرمان المتوازن وأصبح مقتنعاً بمقولة: من «دلفة» التقنين إلى «مزراب» المزاجية والاستنساب في تغذية منطقة دون أخرى، وفي النهاية تصل إلى نتيجة واحدة وحتمية ضرائب وفواتير ومتأخرات.