رامي زريق
عن أيّة حرية يتحدثون؟ هل يظنّوننا حقّاً أغبياء؟ هل يعتقدون أننا لا نرى الأصفاد خلف الأكاذيب والمفاهيم المضلّلة؟
يسمّونه «التبادل الحر»، وهم يعلمون تماماً أنّه يمكن نعته بكلّ شيء، إلا الحرية. وكيف يكون التبادل حرّاً بين الحاكم والمحكوم؟
تفرض علينا البلدان الصناعية فتح أبواب أسواقنا لبضائعها المدعومة، في الوقت نفسه الذي تحذّرنا فيه من مضارّ الدعم. وبذلك تحافظ على منتجيها وتعطيهم أحسن ميزة تفاضلية ممكنة. تبتزّنا وتهدّدنا إذا فكّرنا (مجرّد فكرة) بدعم الزراعة أو الصناعة في بلادنا.
كلّ هذا باسم الحريّة ـــــ حريّة السوق ـــــ تلك الحريّة نفسها التي قدّستها حكوماتنا المتتالية منذ الاستقلال، فسلّمت مصائرنا وأعناق مزارعينا لمشيئة الدول الصناعية الكبرى.
فقد وقّعت حكوماتنا اتفاقات التبادل الحر مع تلك الدول الصناعية التي لا يهمها إلا تفعيل اقتصادها وبيع منتجاتها وإغراق أسواقنا ببضائعها. لنأخذ، مثلاً، اتفاقية الشراكة الأوروبية التي وقّعها لبنان سنة 2002 والتي تنص على التالي: يحق للبنان التصدير إلى أوروبا من دون رسوم (شرط أن تستوفي البضائع شروط النوعية)، وهذا لمدّة خمس سنوات يفتح بعدها لبنان أسواقه للبضائع الأوروبية من دون رسوم إلى الأبد.
يبدو، وللوهلة الأولى، أن هذا الاتفاق هو لمصلحتنا، إذ أعطانا خمس سنوات نستعد خلالها للتبادل الحر. خمس سنوات ليجهز المزارع اللبناني الصغير، المنسي، نفسه لينافس المزارع الأوروبي المدعوم بكل قوة أوروبا الاقتصادية وتاريخها الاستعماري. يا لها من مهزلة.
ولزيادة الطين بلّة، تضع الدول الأوروبية حواجز غير نقدية، لتصعيب دخول البضائع اللبنانية إلى أسواقها، مثل التشديد على متطلبات نوعية غير مبررة وفرض معاملات إدارية/بيروقراطية تنهك المصدّر وتؤدّي إلى تلف البضائع.
هذه هي الحرية التي يتحدّثون عنها! أهي نفسها تلك التي تأتي مع السيادة والاستقلال؟