أنطون الخوري حرب
«حركة الشبيبة اللبنانية» من الأحزاب المسيحية التي شاركت في الحرب اللبنانية، محاولةً تقديم مبدأ القتال الدفاعي عن لبنان على الأهداف السلطوية التي سعى إليها عدد من الأحزاب الأخرى، وكانت المبادرة إلى مواجهة المنظمات الفلسطينية في «المرحلة التمهيدية»، أي ما قبل معارك حراس الأرز والأحرار والتنظيم والكتائب ضد هذه المنظمات.
مؤسس الحركة الذي سعى إلى العلم والخبر القانونيين، هو مارون نعيم خوري الملقب بـ«الباش مارون»، والمنحدر من بيت ينتمي إلى حزب «الكتلة الوطنية اللبنانية». والده نعيم خوري الذي وصفته جريدة «مرقد العنزة» التي كان يصدرها أسعد سابا، بأنه «رافع راية الأرز على سرايا بعبدا يوم إعلان استقلال لبنان».
القصة بدأت أواسط عام 1969 في منطقة الدكوانة، حين جمع الباش مارون أبناء المنطقة ونظمهم بشكل بدائي مع أسلحة فردية خاصة، لمواجهة «الخطر الفلسطيني الداهم». وبعد أربع سنوات أرسلت الحركة حوالى 200 شاب وفتاة للتدرب في مخيم في بلدة الكفور الكسروانية، ليبدأ بعدها تنظيم المؤسسات على الطريقة العسكرية بإنشاء مجلس حربي وشرطة ووحدة إعلام تصدر مجلة «صوت الحركة»، إضافة إلى شعار الحزب ونشيده الذي حمل عنوان «نعمل لنستحق لبنان».
ولم تلبث الحركة أن اصطدمت بالفلسطينيين عامي 1973 و1974 في حي السلاف في الدكوانة. ثم حاولت عام 1975 عرقلة تواصل مخيمات تل الزعتر والنبعة والكرنتينا وجسر الباشا مع بعضها، في الوقت الذي بدأ فيه «الباش» تكثيف الأطر التنظيمية عبر إنشاء الشرطة العسكرية بقيادة جوزيف شرفان والوحدات الخاصة بقيادة أمين خوري ووحدات الإسعاف الطبي. وعند اندلاع الحرب «رسمياً»، قاتلت الحركة على كل جبهات المنطقة التي لم يكن لميليشيا الكتائب فيها أكثر من مركزين. وفي أواخر 1977 وقعت مناوشات عسكرية بينها وبين الجيش السوري الذي حل مكان الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر، واتهمت السوريين بتصفية مقاتلين اثنين منها على طريق دير مار روكز في أعالي الدكوانة.
وربطت بين «الباش مارون» وعميد الكتلة ريمون إده، علاقة جعلت البعض يعتقد أن الحركة هي ميليشيا الكتلة. كما جمعت بينه وبين الرئيس كميل شمعون صداقة قوية استمرت مع نجله داني في ما بعد.
وتعرضت الحركة لمحاولات للسيطرة عليها من الكتائب، أدت إلى مقتل عدد من مقاتليها. وتميزت برفض مجزرة إهدن التي ذهب ضحيتها الوزير والنائب طوني فرنجية وعائلته ومرافقوه، وبإدانة مجزرة 7 تموز 1980 في الصفرا على يد قوات بشير الجميل التي تمت خلالها تصفية «ميليشيا نمور الأحرار»، مشيرة إلى «أن هذه المجازر تنهي دور المسيحيين في لبنان والشرق العربي». ولم يقتصر موقفها على الرفض وحسب، بل إن وفداً منها برئاسة «الباش» زار الرئيس سليمان فرنجية في زغرتا معزياً. وبعد مجزرة الصفرا، طلب رئيس إقليم المتن الشمالي الكتائبي آنذاك أمين الجميل، بتسليم سلاح الحركة المتوسط والثقيل الذي اشتراه «الباش» ومقاتلوه بأموالهم الخاصة، فجوبه طلبه بالرفض. ثم تدخل مدير المخابرات في الجيش جوني عبده، صديق «الباش»، وعقد اجتماعاً في القصر الجمهوري ضمّه وصديقه والرئيس إلياس سركيس الذي طلب من زعيم «الشبيبة» تسليم السلاح والتعاون مع بشير. وما لبث الكتائبيون أن أجبروا قيادة الحركة على التنازل عن ترخيص الحزب الذي كان عديده حينها 1500 مقاتل. وبعد التسليم بطلب من رئيس الجمهورية والتنازل بالإكراه، نُفي «الباش» مع مرهج إلى خارج لبنان لمدة خمس سنوات قضاها بين فرنسا وقبرص ومصر واليونان، قبل أن يعود إلى لبنان في عام 1985 ويزور أمين الجميل في القصر الجمهوري كشرط أساسي ليقيم في الدكوانة من دون أي نشاط حزبي. وشهدت فترة نفي «الباش» محاولات تصفية لوجود الحركة، إذ هاجم الكتائب أحد مراكزها فقتل فؤاد عمار وأصيب بطرس رحمة وإيلي قواص، ثم أحرقت منازل المسؤولين، ومنهم منزل جوزيف شرفان، واحتُل المركز الرئيسي وحُول إلى تعاونية تجارية للكتائب.
ومع تسلم العماد ميشال عون مقاليد الحكومة العسكرية أواخر عام 1988، الذي كانت للحركة علاقة وثيقة جداً به منذ كان رائداً في الجيش ومسؤولاً عن منطقة الدكوانة، دعا الباش مارون مقاتليه إلى الالتحاق بصفوف أنصار الجيش، وشاركت الحركة في الحروب التي رافقت فترة حكم عون وسقط لها حوالى عشرة مقاتلين، قبل أن يصبح «الباش» عضواً في الجبهة اللبنانية الجديدة التي كان يرأسها داني شمعون.
وبعد إنهاء سيطرة حكومة عون في 13 تشرين الأول 1990، استدعى الرئيس إلياس الهراوي الباش مارون إلى زحلة وأرسله إلى عنجر للاجتماع برئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العميد غازي كنعان الذي حذره من القيام بأي نشاط سياسي. لكنه انضم إلى ما عرف بـ«التيار السيادي المسيحي» مع احتفاظه بعلاقة جيدة مع النائب ميشال المر. وبعد انسحاب الجيش السوري من لبنان وعودة عون من المنفى، استأنفت الحركة تحالفها القوي مع التيار الوطني الحر، وأصبح الباش مارون مسؤولاً عن منطقة الدكوانة في التيار، إلى أن توفي العام الماضي. ومذذاك لم يسجل للحركة أي نشاط حزبي ولم يترأسها أحد بعد وفاة مؤسسها.