وفاء عواد
«آلو، سعادة النائب، هل أستطيع أن أحدّد موعداً للقائك؟». تأتي الموافقة سريعة، لكنها مبدئية، لأن النهائية مرتبطة فقط بالمكتب الإعلامي المكلّف تنظيم مواعيد نوّاب الشعب «المداومين» في فندق الخمس نجوم.
يتحدّد الموعد في الواحدة ظهراً، ليبدأ عندئذ مشوار الحفاظ على حياة الغالبية. في مركز تفتيش عند مدخل الفندق: نبرات عسكرية واضحة لم تستطِع معها النظّارات السوداء إخفاء عيون المراقبة «المخيفة». اتصالات لا بدّ منها لإعلام أحدهم بهوية الضيف الآتي، وانتظار أمر ما. يقترب أحدهم. لا شيء في هيئته وملابسه يدلّ على طبيعة مهمته. يسأل عن البطاقة ويدقّق فيها مليّاً قبل أن تأخذ طريقها الى «الحجز»، ليعطي أوامره لآخر بالمواكبة الى داخل صالون الفندق. حينئذ يكون الزائر قد اجتاز «الاختبار» الثالث، بعد تفتيش يتجاوز أصول الدقّة والتدقيق الى تفحّص القادم وكأنه من «كوكب آخر».
في الصالون انتظار آخر يطول لنحو نصف ساعة، لم ينفع معه سوى الاضطرار إلى تصفّح جرائد من لون واحد، وذلك بسبب «إشكال» مردّه عدم إبلاغ المعنيين مسبقاً باسم المصوّر. ولدقائق يصبح الهاتف صلة الوصل بين صحافيَّين مكلَّفين بمهمة واحدة: الموجود في الداخل لا يستطيع الخروج مجدّداً، و«المحتجَز» ينتظر إجراءات ضجّت بالاتصالات المتكرّرة مع أحدهم، الى حين قضي أمر دخول المصوّر مصطحباً كاميرته التي فحصت أجزاؤها لأكثر من مرة، ومن أكثر من شخص.
يقترب نحونا أحدهم ــــ وهو غير كل الذين مررنا بهم ــــ بعدما «أشفق» علينا من طول الانتظار، مبرّراً بعفوية دخول صحافيين آخرين على مرأى منّا وفق طريقة «الخط العسكري»، هامساً بالقول: «اسم جريدتكن بينقّز».
ساعة الفرج تأتي مع أحد «الجديّين» الذي لم يفارق العبوس وجهه، فيرافقنا الى المصعد، ويكبس زرّ الطابق المقصود، ويدعونا الى... غرفة نوم معتمة، هي المخصّصة لمقابلات النوّاب. ينبّه المصوّر إلى أن الإضاءة غير مناسبة لالتقاط الصور. لا يثير ذلك اهتمام أحد. يدخل سعادة النائب، فتكون الملاحظة اللافتة: 4 شباب وصبية يتوزّعون زوايا المكان، لم نعرف مهمات الأربعة، فيما الخامسة صحافية مكلّفة تسجيل ما يدور من حديث. ولكن سرعان ما تبدأ مهمات الموجودين بالاتضاح، عندما يبدي أحدهم «انزعاجاً» من طرح سؤال على النائب المعني، عبر هزّ رأسه في إشارات غير مفهومة يوزّعها يميناً ويساراً.
ما من شيء كان طبيعياً في مكان لفّ الغموض كل زواياه، ولا سيما في ما يتعلق بظروف الراحة النفسية التي يستلزمها إجراء المقابلة، حتى إن المصوّر اعتمد من وقت لآخر على إزاحة القسم السفلي من ستارة الغرفة ليتيح له القليل من الضوء إنجاز مهمته.
وقبل أن يكمل النائب، صاحب العلاقة، جوابه عن سؤال قد يجرّ سؤالاً إضافياً، يقف أحد «المراقبين» ليعلمه بأن الساعة أصبحت الثانية والربع، ومن دون أن يعير أي اهتمام لعلامات الاستغراب التي بدت واضحة حتى على وجه النائب نفسه.
نستعجل مغادرة المكان... ولا بأس من الانتظار قليلاً الى حين استرجاع بطاقاتنا الصحافية، مستذكرين «أيام ساحة النجمة»، حين كان «سعادة النائب»، أي نائب، تسعده مجرد زيارة صحافي لمكتبه الخاضع لنقطة تفتيش واحدة معلومة الانتماء تقع فقط عند مدخل مبنى مكاتب النواب... إنه زمن «الفينيسيا»!.