عرفات حجازي
فتحت الاجتماعات الثنائية والمتعددة التي شهدتها مدينة اسطنبول، بين ممثلي عواصم القرار المؤثرة في الملف اللبناني، باب التساؤلات عمّا سيؤول إليه الاستحقاق الرئاسي، ونوع المرحلة التي سيدخلها لبنان في الأيام المقبلة.
وإذا لم يكن أحد يعرف بدقة ماذا تقرر في الاجتماعات واللقاءات التي جرت في الغرف المغلقة، فإن من السهولة الاستنتاج من سلوك الإدارة الأميركية أنها ترفض الحلول والتسويات بين فريقي المعارضة والموالاة. فوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وقبل اللقاء الوزاري العربي والغربي، قطعت الشك باليقين، وعممت على نظرائها العرب والأوروبيين «خريطة طريق» الاستحقاق الرئاسي، مبددة مفاعيل الإيجابيات التي نتجت من تفاهمات وزيري الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والسوري وليد المعلم.
فالبيان المكتوب الذي صاغه الأميركيون وصدّقه الجميع، خلا من أي إشارة إلى الرئيس التوافقي والمساعي اللبنانية التوفيقية التي تجري على أكثر من خط، سواء لجهة مبادرة الرئيس نبيه بري وحواراته مع النائب سعد الحريري، أم لجهة اللقاءات التفاوضية بين الأخير والعماد ميشال عون، وكذلك مبادرة بكركي. وكان الموقف الأميركي الذي تضمنه «بيان اسطنبول» صارماً في التشديد على رئيس يجسّد الاستقلال والسيادة واحترام القرارات الدولية، ما يتناقض مع الاتفاق الذي تم بين كوشنير والمعلم، وفيه تشديد على رئيس توافقي يحقق الإجماع اللبناني، وهو ما يتطابق مع الرؤية الأوروبية والعربية التي تغلّب المنحى التوافقي، وتحذر من سلوك طرق المواجهة والتصادم، ما يعني في المحصّلة أن اجتماع اسطنبول السداسي حسم التباينات القائمة بين عواصم القرار العربية والأوروبية من جهة وواشنطن من جهة أخرى، لمصلحة تبنّي الرؤية الأميركية، التي ترفض تقديم حلفائها في فريق 14 آذار أي تنازلات، ولو محدودة، لفريق المعارضة في الملف الرئاسي. كما ان الرفض الأميركي يزداد عنفاً وتشدداً في إشراك إيران وسوريا في الملف لبناني، وهو ما جرى في اسطنبول، حيث استُبعد البلدان عن الاجتماع الموسّع للوزراء العرب والأوروبيين.
واستناداً إلى هذه المعطيات، لم يعد ممكناً تجاهل الخلاف الفرنسي ـــــ الأميركي في شأن مقاربة الموضوع اللبناني، ولو أن الناطق بلسان الرئاسة الفرنسية أوحى في معرض النفي للخلاف مع واشنطن أن الموقف محكوم بمرحلتين، احداهما توافقية تمتد حتى 12 الجاري، وأخرى «سيكون لدينا الوقت الكافي للتفاهم مع واشنطن على إدارتها». وهذا الخلاف سيكون من دون شك حاضراً في قمة جورج بوش ونيكولا ساركوزي غداً، وسط معطيات تشير الى ان فرنسا لن تنجح، ومعها الأوروبيون، في إقناع الإدارة الأميركية بخيار المرشح التوافقي والإجماعي وبمخاطر انتخاب رئيس ينتخب بنصاب النصف زائداً واحداً، وبالتالي لا يتوقع المراقبون أن تُحدث القمة أي اختراق إيجابي في حركة البحث عن مخارج لمأزق الاستحقاق الرئاسي، ما يزيد الوضع استعصاءً، في اصرار الإدارة الأميركية على الاحتفاظ لنفسها بكلمة السر، في ما يتعلق بالرئيس المقبل ودور لبنان بعد الرئاسة. وهي أوحت لحلفائها في داخل لبنان وخارجه بأن القرار عندها، حتى ولو سمحت لبعض الأوروبيين والعرب بالتحرك ضمن حدود الانضباط في الدائرة الأميركية. وفي تقدير المحللين السياسيين، سيكون من الصعب أن تشهد المرحلة المقبلة انتخاباً لرئيس الجمهورية، وأن الملف سيبقى عالقاً بضعة أيام إضافية تسبق انتهاء المهلة الدستورية، وعندها تحسم واشنطن الملف، إما برئيس توافقي يحفظ التوازنات القائمة، وإما برئيس استفزاز ومواجهة يدخل لبنان في المحظور.
ورغم القلق الذي يعتري الجميع من حال الغموض والارتباك، فإن رئيس المجلس النيابي لا يبدي قلقاً مفرطاً من التصعيد في المواقف الأميركية التي تتقاطع مع بعض المواقف الهجومية في الداخل. وهو يرى ذلك «أمراً طبيعياً» كلما ضاق هامش الوقت والمناورة واقتربت مرحلة الخيارات والقرارات الحاسمة، وبالتالي يضع ما يجري في إطار المناورة وتحسين شروط التفاوض ورفع السقوف السياسية.
ومع أن الوقت لم يعد يسمح بإنجاز الكثير خلال الأيام السبعة المقبلة، قبل أن يدخل الاستحقاق نفق الأيام العشرة الأخيرة، فإن أنصار التوافق في طرفي الموالاة والمعارضة يرون التهويل والضغوطات المتبادلة بمثابة دفع لتغليب احتمالات التسوية، لأن أحداً من الطرفين لا يستطيع حسم الاستحقاق بمفرده، وهو توازن يصب في خدمة العملية التوافقية، ولأن الكل مدرك لكلفة التداعيات والمخاطر التي ستترتب على الفراغ الرئاسي وتصادم
الخيارات.