ندوة “الأخبار” - الموضوعية على المحك - اليوم الأولقد يكون من المبكر القول إن المؤتمر الإعلامي الذي تنظمه «الأخبار» بالتعاون مع «لوموند ديبلوماتيك» و»انفورماسيون» الدانماركية خلص في ختام اليوم الأول من أعماله إلى نتيجة مؤداها إعادة النظر بمفهوم الموضوعية، خصوصاً أن اتفاقاً على تعريف واحد لها لم يكن ممكناً. ففي حين اعتبر الصحافي الهولندي يوريس لوينديك أن «الموضوعية تعني كتابة خبر يخرج مرضياً لجميع الأطراف المشاركة فيه» رأت الدكتورة نهلا الشهال أن الموضوعية لا تعدو كونها التزاماً ببعض القواعد المهنية والأخلاقية. غير بعيد عن هذين التعريفين، جاءت مداخلات المحاضرين في مجملها غنية بالإشكاليات التي تواجه العمل الصحافي وبالتغييرات التي أحدثتها الثورة التكنولوجية


غازي العريضي: العدوّ واحد والإرهاب واحدكلام العريضي جاء في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التي عقدت أمس في فندق «مونرو» وبدأت بالنشيد الوطني اللبناني، ثم بكلمة ترحيبية من المديرة العامة لـ«الأخبار» هلا بجاني والسفير الدنماركي في لبنان يان كريستنسنبعدها ألقى العريضي كلمته التي ميّز فيها بين الموضوعية والحيادية، وبين الصراع مع الداخل والصراع مع الخارج «ففي الصراع مع الخارج أي مع الإرهاب الإسرائيلي، لا يمكن أن نكون حياديين، وهذا هو التحدّي الكبير في إعلامنا الذي يتطلب شرح كل آرائنا ومواقفنا الإعلامية في مواجهة هذا العدو. يجب أن نكون موحدين في مواجهة العدو الخارجي وألّا نتصرف بحيادية من دون إغفال الموضوعية في عملنا الإعلامي». أما في الصراع مع الداخل فـ«تكمنالمشكلة في أن هذا أخطر أنواع الصراعات. ويؤسفني القول، وفي حضور زملاء كبار، إنه في إطار الانقسام الداخلي اللبناني خرج الإعلام اللبناني كثيراً عن إطار الموضوعية، حتى بتنا نشهد تعرّض مصورين ومراسلين لاعتداءات نظراً إلى حدة الانفعال والانقسام التي لا تؤذي فقط الحياة السياسية، بل تؤذي الموضوعية والحيادية والعمل المهني»الكلمة الثانية كانت لمدير تحرير النسخة العربية من «لوموند ديبلوماتيك» آلان غريش التي بدأها بالقول إن دور الإعلام في الأزمات كان غالباً المساهمة في صنع الحروب وفي صب الزيت على النار.
كان هذا قبل حصول ثورتين، الأولى سياسية تمثلت بانهيار الاتحاد السوفياتي والثانية تكنولوجية تمثلت في انتشار البث المباشر للأخبار بحيث شاهدنا مباشرة على الهواء سقوط جدار برلين، دفنالإمام الخميني، عودة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى غزة... وفي كل هذه المرات، وغيرها، لم يكن المشاهد يرى فعلًا الصورة الحقيقة لما يحصل. إذ «لا يكفي أن تصوّر لكي تكون الصورة كاملة».
وفيما أشار غريش إلى أهمية نشوء فضائيات عربية مثل «الجزيرة» وغيرها، تقدم خبراً مختلفاً عن «السي أن أن» التي نقلت الحرب الأميركية الأولى على العراق، أعلن أن الوقت الذي كان فيه الغرب يحتكر المعلومة انتهى، وهو ما يضعنا في مواجهة احتمالين: إما الحوار أو الصراع «ومن الأفضل أن تكون الغلبة للخيار الأول، الذي أراه صعباً لكني أتمنى أن ينتهي المؤتمر في هذا الاتجاه».

دراسة حالات: لبنان، الجزائر والولايات المتحدة فبعد عرض مسهب قدّمته الطالبتان في الجامعة اللبنانية لمى كحال وعلا فاعور لمضمون تغطية أحداث الجامعة العربية (25 كانون الثاني 2007) الإعلامية، خلصتا إلى نتيجتين رئيسيتين: الأولى أن المشاهد، أو القارئ، لم يكن قادراً على معرفة حقيقة ما حصل إذا اقتصرت متابعته على وسيلة إعلامية واحدة، وكشفت الثانية التماهي بين عمل الإعلاميين وسياسة المؤسسات التي يعملون لمصلحتهاوعرض الصحافي الجزائري ياسين تملالي تجربة التغطية الصحافية الجزائرية في التسعينيات، أي خلال فترة الحرب الأهلية، لافتاً إلى العوائق التي كانت تعترض العمل الصحافي آنذاك. فتكلّم عن الموضوعية (المستحيلة) بمعنى النزاهة وتطبيق القواعد المهنية العامة. كما أشار إلى الرقابة التي كانت تمارسها السلطات. وكانت لافتة إشارة تملالي إلى عجز اللغة الصحافية في أوقات معينة عن ملاحقة الحدث، ولجوئها إلى الأساطير التي قد يتناقلها العامة. المثل الساطع المثير للاهتمام كان عن جماعة تدعى «الغاضبون على الله»،التي كتب الصحافيون في وصفها ما يفوق الخيال: شكلاً ومضموناً.
وقدّم الباحث ياسر منيف دراسة لتغطية جريدة «نيويورك تايمز» للحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان في تموز عام 2006، لفت فيها إلى تبنّي الرواية الإسرائيلية، عارضاً الفوارق في نقل وجهتي النظر اللبنانية والإسرائيلية، سواء في المضمون أو من خلال الصور التي كانت إنسانية في الجانب الإسرائيلي، في مقابل صور تظهر لبنانيين «يتابعون بروباغندا حزب الله الذي يدفع لهم فاتورة الكهرباء»، كما يقول كلام الصورة.

عن اختلاف المصطلحات وسياسة خلق البديهيات

بم تختلف قناة «المنار» عن غيرها من المؤسسات الإعلامية العاملة في لبنان؟
كان هذا هو السؤال الذي توجه به الصحافي الهولندي يوريس لوينديك إلى أحد الزملاء في «المنار» وجاءت إجابة الأخير: المصطلحاتإجابة أعادت لوينديك إلى الإشكالية الأولى التي واجهت عمله بصفته صحافياً غربياً يغطي أحداث الشرق الأوسط ويعاني، أكثر ما يعانيه، من مشكلة المصطلحات، المرتبطة غالباً بعدم الاتفاق على تحديد واحد للمشكلة موضوع النزاع كما هي حال الصراع العربي ـــــ الاسرائيلي. فبالنسبة للفلسطيني، تعدّ العمليات التي تقوم بها حماس عمليات مقاومة ضد الاحتلال، وبالنسبة للإسرائيلي لا وجود لأراض محتلة أصلاً والمشكلة بالنسبة إليهم ليست نزاعاً على الأراضي.
من هذا المثل قدّم لوينديك تعريفه الخاص بالموضوعية: هي أن يكتب الصحافي خبراً وتجد كلّ الأطراف المعنية به أنها تؤيد ما ورد فيه. وخلص بعد طرح جملة من الإشكاليات إلى اقتراح «أن نتصارح مع جمهورنا ونخبره أننا لا نقدم له الحقيقة كلّها بل جزءاً منها».
وقدّم الدكتور رودولف القارح قراءة سياسية إعلامية لطريقة التعاطي مع القضة الفلسطينية خلص في ختامها إلى القول إن الموضوعية تكاد تكون غير موجودة في الإعلام، وإن ما نراه في الصحف هو تصادم للذاتيات.
مداخلتا لوينديك والقارح جاءتا في إطار أعمال الجلسة الأولى التي أدارتها الدكتورة ماجدة أبو فاضل. أما الجلسة الثانية فقد أدارها الزميل بول خليفة (ماغازين) وقدّم فيها الصحافي الفرنسي ريشار لا بيفيار (راديو فرنسا الدولي) مداخلة قيّمة رأى فيها بدايةً أن الموضوعية أمر بالغ التعقيد، عارضاً مختلف أنواع العمل الصحافي، والتطورات التي شهدها متطرّقاً إلى التمويل وإلى «قصة اليوم الخبرية» (daily story line)، ولفتإلى انتشار لغة إعلامية عالمية تقوم على الثنائية.
تلته الدكتورة نهلا الشهال التي بدأت مداخلتها بعرض انطباعاتها التي تلت مشاهدتها خطاباً للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله لمست فيه إخلاصاً وصدقاً لم يعرهما زميلها الخبير في علم الإعلام والإخراج الكثير من الأهمية لأن «الإخلاص والوضوح ليسا ميزتين مهمتين في سياق الموقف السياسي... إعلامياً»
من هذا المثل انطلقت الشهال لتحكي عن تطورات صناعة الخطاب السياسي اليوم من خلال استراتيجية تقوم مبدئياً على «الخبر كما يجب أن يروى اليوم» وبعدها يصار إلى تسويقه في الفترة في إطار جمالي، مشيرة إلى أن العديد من مخرجي هوليوود موجودون في الإدارة الأميركية. ورأت أن العمل الإعلامي لم يعد قائماً على تحقيق الموضوعية بقدر محاولة خلـــق بديهيـــات لاعتنـــاقها.
نير روزن، مراسل «نيويورك تايمز» خلال الحرب الأميركية على العراق، قدّم مداخلة بدت أقرب إلى الشكوى والرغبة في الاعتذار عن عدم القدرة على تقديم شيء. روزن (المحبط؟) عرض تحربته في مجلة «تايم» التي كانت تولي الأهمية لمباريات «الفوتبول» أكثر من الأخبار التي يرسلها من العراق، ثم في وقت لاحق الانتقائية التي مارستها «نيويرك تايمز» في نشر الأخبار التي يرسلها وفي محو ما يتعارض مع السياسة الأميركية منها.

تستمر أعمال المؤتمر اليوم فتبدأ عند التاسعة والنصف صباحاً وتختتم بجلسة- تحية إلى جوزف سماحة عند الساعة السادسة

لقطات
◄ دعا وزير الإعلام غازي العريضي في هذا اليوم الذي يصادف اليوم العالمي لمكافحة القنابل العنقودية، إلى أن يطّلع الصحافيون المشاركون في هذا المؤتمر على حقيقة هذا الخطر، المتمثل بآلاف القنابل التي زرعتها إسرائيل في لبنان، «ما يمثّل احتلالاً مستمراً للأراضي اللبنانية».

◄ أسهمت محطة تلفزيون الجديد في المؤتمر من خلال إعداد الزميلة كلارا جحا تقريراً عن تغطية المراسلين الصحافيين لأحداث الجامعة العربية. ولم يتردد عدد من الزملاء الذين استفتاهم التقرير في الإعلان عن استخدام مصطلحات حادة تتناسب مع سياسة مؤسسته، في حين ارتأت إحداهن استخدام مصطلح «الأمانة» عوضاً عن الموضوعية.

◄ في ظلّ تكرار المطالبة من جانب الجمهور بإعلام مستقل، في إشارة إلى المال السياسي الذي يقف خلف معظم المؤسسات، لفت باحوط إلى أن العائق الأساسي أمام العمل الصحافي المستقلّ في لبنان يكمن في كيفية الحصول على الرخصة الإعلامية.

◄ كان المؤتمر مناسبة لصحافيي «الأخبار» للتعرّف إلى عدد من زملائهم العرب الذين قدموا إلى لبنان، ومنهم عثمان تزغارت، دينا حشمت، ياسين تملالي، وائل تملالي، وائل عبد الفتاح.

◄ عقد المؤتمر في قاعة «هوليوود» في فندق مونرو. علماً بأن مخرجي هوليوود كانوا حاضرين في واحدة من جلسات العمل.

◄ شكّل طلاب كليات الإعلام في لبنان جانباً كبيراً من الحضور، وعلمت «الأخبار» أن عدداً من الطلاب بادر إلى وقف الدروس في جامعته من أجل الالتحاق بأعمال المؤتمر.