أنطوان سعد
بعد أسبوع على اللقاء الذي ضم رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ورئيس كتلة نواب «المستقبل» النائب سعد الدين الحريري في العاصمة الفرنسية، تتوقف الأوساط المراقبة عند جملة معطيات تدل على نجاح اللقاء، وتسجل، في الوقت نفسه، جملة ملاحظات تجعل من نجاحه محدوداً أو غير قابل للتنفيذ. غير أن الموضوعية تقتضي الاعتراف بأن مجرد انعقاد هذا الاجتماع في هذا الظرف بالذات، ليس بالأمر اليسير، ولا بد من أن تكون له انعكاسات إيجابية على مسار الحركة السياسية في لبنان، وخصوصاً لجهة التخفيف من حدة الخطاب السياسي، على الأقل، في فترة يخشى فيها أن يؤدي التوتر القائم إلى نتائج لا تُحمد عقباها.
معطيات نجاح اجتماع باريس عديدة أولها حصوله، رغم عدم حماسة حلفاء كل من الطرفين. ثانيها، التكتم الذي سبق اللقاء وتخلله وتلاه، والإصرار عليه وعدم تسرب مضمونه رغم محاولات الصحافة. ثالثها، طول المحادثات التي قاربت الثماني ساعات. رابعها، المتابعة التي بدأت غداة الاجتماع بين نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والنائب غسان مخيبر، والتي يفترض أن تستكمل بعد عودة النائب الحريري من الخارج.
بيد أن التكتم الذي يتمسك به الطرفان بشيء من التزمت لم يمنع بعض التسرب الناتج، بالدرجة الأولى، من زيارات الموفدين من عون والحريري إلى الفاعليات السياسية لوضعهم في أجواء اللقاء بغية تطمينهم، وخصوصاً إلى عدم وجود صفقة بينهما لا تأخذ بالاعتبار تحالفات كل منهما. فعامل الثقة بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح ورئيس كتلة نواب المستقبل، لا تزال جنينية ولا يمكن الرهان عليها وخسارة الحلفاء. ومما عُلم أن عون والحريري تطرقا إلى جذور الأزمة الراهنة التي يشكّل فيها الإشكال على الاستحقاق الرئاسي رأس الجليد الظاهر. وقد تطرق العماد عون بكل وضوح إلى مسألتين مهمتين: التوازن المسيحي ـــــ الإسلامي في قلب التركيبة والمؤسسات الدستورية والإدارية اللبنانية وقضية سلاح حزب الله، ومن خلالهما نفذ إلى موضوع الاستحقاق الرئاسي، واضعاً ترشحه في إطار معالجتهما.
في موضوع التوازن، كان الجنرال صريحاً لأبعد حدود، وكرّر ما يقوله منذ الانتخابات النيابية الأخيرة وتأليف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، إنما بتعابير ولهجة تظهر حرصه على مكاشفة محاوره بما يعتبره لبّ المشكلة بكل إيجابية وهدوء ولكن من غير المساومة على المضمون. وكان موقف الحريري، في المقابل إيجابياً، مظهراً تفهمه الكامل واستعداداً لمعالجة هذا الخلل بدءاً من الحكومة المقبلة التي سيحرص على أن تكون متوازنة وتشعر كل اللبنانيين بأنهم ممثلون فيها في شكل يرضيهم. كما تم التطرق، في هذا الإطار، إلى قانون الانتخاب النيابية وضرورة أن يكون عادلاً ويحفظ صحة التمثيل. وكشف الحريري عن تقديره الكبير للدور المسيحي في لبنان وانعكاسه الإيجابي على البلد ككل لا بل على محيطه العربي الذي يحفظ له احتراماً خاصاً.
الموضوع الشائك كان قضية سلاح حزب الله التي شدّد الجنرال على ضرورة معالجتها في شكل صحيح. وقال إن في جعبته حلاً مناسباً لها يقبل به الحزب مبنياً على ورقة التفاهم التي وقعها معه في السادس من شباط سنة 2006، فيما لا يحمل المرشحون لرئاسة الجمهورية مثل هذا الحل، لا بل إن مقارباتهم لموضوع السلاح تزيد في تفاقم المشكلة، وقد يفجرها في حال تم تجاوزها في شكل غير سليم في حال انتخاب شخص غير قادر على معالجتها. وأشار عون إلى أنه يجمع بين أمرين: مشروع الحل وثقة حزب الله به، لكن يلتزم بما يتم الاتفاق عليه في هذا الخصوص.
على رغم كل ما يُشاع من إيجابيات، تبقى أوساط مراقبة على حذرها حيال هذا التفاؤل الذي تشكك به للاعتبارين التاليين:
ـــ من مصلحة عون تعميم أجواء إيجابية عن علاقته مع الزعيم السني الأبرز في لبنان لأنه يعرف أن من المستحيل أن ينتخب رئيساً للجمهورية رغم إرادة السنة، وبالتالي فإنه سيعود إلى فتح النار على الحريري وحلفائه عندما يتأكد من عدم انتخابه.
ـــ إن استجابة رئيس كتلة نواب المستقبل لمطالب عون المتعلقة بالتوازن تعني قبوله بأن يقلّص كتلته إلى نصفها، وكتلة النائب وليد جنبلاط إلى نصفها، إن لم يكن أقل، وبأن يقلّص أيضاً حصتهما في التمثيل المسيحي في الحكومة المقبلة. فهل يمكن تصور ذلك؟
ثمة من يجيب في فريق العماد عون: لم لا؟