strong>غسان سعود
أثار تساؤل رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط أمس عن «تكرار تجربة نهر البارد مرة ثانية في مخيم برج البراجنة»، و«وضع الجيش مرة جديدة أمام تجربة صعبة تلحق به خسائر كبيرة من الممكن تفاديها» ردود فعل مستغربة وغاضبة تخطت الفلسطينيين ومديرية المخابرات في الجيش لتطاول جمهور حزب الله أيضاً، بعدما واكب جنبلاط بعض «كبار الكتّاب» في خوفه من فتنة بين مخيم برج البراجنة وجواره اللبناني (الضاحية الجنوبية).
في مخيم برج البراجنة، لا يشغل البؤس الذي يغرق فيه المخيم وسكانه هؤلاء عن متابعة الشأن اللبناني. فهم وإن لم يعودوا فاعلين فيه، إلا أن «ملائكتهم حاضرة» دائماً في سجالات السياسيين.
حالياً، ينهمك الناس، مثلاً، بمتابعة تفاصيل التصريح الأخير للنائب وليد جنبلاط إلى جريدة «الأنباء» التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي، ويبدو أنصار «فتح عرفات» أحرص من غيرهم على استهجان التساؤلات الجنبلاطية وإظهارهم بمظهر «المهدَّدين بالتصفية». فيما يؤكد هؤلاء أن التمييز بين «الفتحويين» و«الحمسويين» ومناصري «القيادة العامة» شبه مستحيل في مخيم البرج، حيث لا يخلو المنزل الواحد من مؤيدين لهذه القوى الثلاث.
ولا يشذ ممثل السلطة الفلسطينية في لبنان عباس زكي عن هذا الجو الفتحوي العام، مستغرباً غيرة جنبلاط المفاجئة على حركة فتح. ويرى زكي أن «التطورات الأخيرة كشفت كره كثيرين للوجود الفلسطيني في لبنان، ولا سيما أولئك الذين يعيشون على الدسِّ الرخيص». ويشير عباس إلى سعيه لتأمين لقاء سريع مع جنبلاط لاستيضاحه عن معطياته الأخيرة.
ومن دون الدخول في «الأخذ والرد» على أحد، يقول خالد عارف مسؤول حركة «فتح» في بيروت، إن الكلام على «تصفية الوجود الفتحوي والقرار الفلسطيي المستقل» غير صحيح ومن غير المقبول التفكير فيه، مشيراً إلى عدم تقبل البعض ربما للجنة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية التي تألفت أخيراً بغية قطع الطريق على محاولات زرع التفرقة بين الفلسطينيين في لبنان.
وإذ يبرز في المخيم رفع بعض الفلسطينيين صور الرئيس الراحل ياسر عرفات ومؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين في المنزل الواحد، تطل بكثافة من معظم المنازل صور الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الذي، بحسب إحدى السيدات، «يحتل الموقع الثاني في قلوبنا بعد فلسطين». وتقول السيدة رداً على تحذير جنبلاط من صدامات بين الفلسطينيين وجوارهم (جمهور حزب الله في الضاحية الجنوبية) إن نصر الله يذكّرها بأبو عمار في شبابه، وإن الفتحويين يحترمون إصراره على حث مختلف القوى الفلسطينية على اللقاء والحوار لحل خلافاتهم، وتجنبه اتخاذ موقف منحاز لحركة حماس ضد غيرها من الفصائل رغم التحالف الضمني بينهما. وتقول إحدى جاراتها باللهجة الغاضبة ذاتها، إن صورة مخيم نهر البارد المدمّر عن بكرة أبيه لم تمح بعد من ذهن الفلسطينيين الذين سمعوا حماسة جنبلاط لتدمير هذا المخيم، فيما تروَّى نصر الله ورأى المخيم خطاً أحمر لا يجوز تدميره.
وعلى اختلاف انتماءاتهم الحزبية، يبدو واضحاً في برج البراجنة قلق الفلسطينيين من تحذيرات جنبلاط. ويرى أحد المسنين أن «زلّة القلم» هي غير «زلّة اللسان» والكلام الأخير لجنبلاط كان مكتوباً، ولم يأت في معرض الكلام بل شكل صلب موضوع تعاملت معه باهتمام خاص معظم الوسائل الإعلامية المؤيدة لجنبلاط. منبهاً إلى خطورة أن يشتري جنبلاط بعض الفلسطينيين ليثير اضطرابات فلسطينية ـــــ شيعية بعدما استطاع الحزب تجنب فخاخ المواجهة الشيعيّة ـــــ السنيّة التي نصبت له في أكثر من مكان.
من جهة أخرى، يقول مسؤول الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة في لبنان مصطفى رامز (أبو عماد) إن رواية جنبلاط في مجملها «كاذبة وعبثية»، مشيراً من نافذة مكتبه إلى الهدوء والحالة الطبيعية التي يتسم بها مخيم البرج. وباستهزاء، يردد أن كلام جنبلاط على «إنجاز النظام السوري نحو ألف جواز سفر لكوادر وفصائل وعناصر من القيادة العامة تحت مسمى منظمة التحرير لتسهيل تنقلها بين لبنان وسوريا» يشبه «كذبه وادعاءه أثناء معارك نهر البارد أن القيادة العامة تدعم فتح الإسلام» الأمر الذي أكدت قيادة الجيش لاحقاً عدم صحته. ويسأل رامز عن مغزى ادخال القيادة لألف عنصر فيما ذكر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن في تقريره الأخير أن لدى القيادة العامة 4735 عنصراً مقاتلاً، جميعهم من فلسطينيي لبنان.
ويتحدث رامز عن «عقدة» جنبلاط من «القيادة العامة» التي «يبدو أنها تتفاعل وتتطور من الناعمة إلى برج البراجنة»، وأن «وارث كمال جنبلاط لم يستثن الناعمة ضمناً هذه المرة أيضاً حين تحدث عن الاجتماع في أحد قصور خلدة» ناقلاً «تخيلاته بأن يكون الهدف من وراء هذا الاجتماع بحث سبل السيطرة على الطريق الساحلية بالتوازي مع ما أشير إليه من تخريب مرتقب في بعض المخيمات الفلسطينية التي يراد على ما يبدو تحويلها إلى مستنقعات». ويبدي رامز استغرابه من هذا الكلام كاشفاً أن لقاء خلدة الأخير الذي ضم قادة «القيادة العامة» والوزير السابق طلال أرسلان كان مفتوحاً للإعلاميين، وتناول البحث فيه القضايا العامة على مرأى ومسمع من صحافيين عديدين. وينتهي رامز بالتأكيد أن هدف جنبلاط يتجاوز التساؤلات الاستشرافية ويمثّل خطوة متقدمة في مخططه الهادف إلى افتعال مشكلة كبيرة في مخيم برج البراجنة الذي يشكل خاصرة للضاحية الجنوبية، الأمر الذي، إذا تطور، فقد يجر حزب الله إلى ساحة لا يريد الخوض فيها. أما في موضوع «ظهور شاكر عبسي جديد» فيؤكد رامز أن التفكير السلفي الجهادي يكاد يكون معدوماً في برج البراجنة، وكذلك لا تتمتع حماس بأي وجود مسلح. وفي سياق مواز، يستغرب أحد مساعدي رامز قلق جنبلاط على نفوذ حركة فتح في المخيمات. ويتخوف من تحرك «الميليشيات التقدمية» للدفاع عن وجود فتح في المخيمات. مشيراً إلى أن العلاقة بين مختلف القوى الفلسطينية «في أفضل أحوالها، ولا تحتاج من جنبلاط إلى أي حرص أو جهد».
قبل الخروج من برج البراجنة يصرّ بعض الفلسطينيين على إيقاف الصحافيين للاحتجاج على «وحي ينزل على بعض الكتّاب» فيحولونه بسرعة إلى حقائق، ويكتبون عن «اعتداءات مختلفة من جانب مجموعات فلسطينية مؤيدة لسوريا على مناطق مجاورة شيعية بغية افتعال مشكلة فلسطينية ـــــ شيعية»، موضحين أن الحادث المذكور لم يكن أكثر من خلاف حصل قرب سينما «راديو» في الضاحية بين شاب فلسطيني من «القيادة العامة» وشاب من حركة «أمل»، وانتهت ذيوله مباشرة. ويؤكد هؤلاء أن علاقتهم بأهل الضاحية «أمتن بكثير مما يتخيله جنبلاط وبعض الصحافيين».
وفي هذا السياق تؤكد قيادة حزب الله مواظبتها على الاجتماع مع جميع القوى الفلسطينية دون استثناء، واحتفاظها بعلاقات طيبة تحكمها الثقة بمعظم قادة هذه القوى. ويؤكد عضو المكتب السياسي في حزب الله الشيخ حسن حدرج المكلف من قيادة الحزب التنسيق مع القوى الفلسطينية عقده لقاءً طويلاً مع قيادة منظمة التحرير في لبنان أخيراً وخروجهما متفقين على رؤية موحدة للقضايا المشتركة، وبذل الجهود لمواجهة كل ما يمكن أن يطرأ بتشجيع من بعض المغامرين.
وعند البوابة الخارجية للمخيم الذي أنشئ عام 1948، ويبعد عن فلسطين 91 كلم، يقول أحد شبان حركة فتح إن تصريح جنبلاط الأخير «يكشف عن افلاس خطير في لغة هذا الزعيم، الذي يسعى كما يبدو إلى زج حركة فتح العلمانيّة في الصراع اللبناني ـــــ اللبناني من بوابة الاقتتال المذهبي السنّي ـــــ الشيعي».