القرعون ـ نيبال الحايك
نحو 55 مليون متر مكعب من المياه فقط تختزنها بحيرة القرعون في هذه الأيام، من أصل 220 مليون متر مكعب هي السعة الأساسية للبحيرة التي تعاني شحّاً في المياه، إضافة إلى ارتفاع نسبة التلوث في مياه نهر الليطاني الذي يعدّ الرافد الأساس للبحيرة


تنتظر بحيرة القرعون هطول الأمطار التي تأخرت عن موعدها، لتعود وتخزّن سعتها الأساسية. وقد أدى تدنّي منسوبها إلى ما دون الـ55 مليون م.3 إلى انكشاف ما «تختزنه» البحيرة من أبنية كانت قائمة قبل بدء بناء سد البحيرة في عام 1958، وهي تظهر للعيان مع تدني منسوب البحيرة التي تعاني اليوم تلوّثاً خطيراً، نتيجة تراجع تدفق المياه النظيفة والمخزون.
ويقول المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، المهندس علي عبود، عن تلوّث خزان بحيرة القرعون، إن: «كمية المياه الموجودة في القرعون عند امتلاء السد هي 220 مليون متر مكعب من المياه، وكمية المياه الواصلة خلال السنة وفي فصل الشتاء على البحيرة تتجاوز 350 مليون متر مكعب. فالتلوث وكثافته هما في مجرى النهر مباشرة، وعندما تأتي السيول والثلوج في الشتاء، تصل المياه إلى البحيرة بنسبة 5% تلوثاً و95% مياهاً نظيفة. يعني لا تزال بحيرة القرعون آمنة نسبياً. التلوث موجود فيها، لكن نسبته في مياه البحيرة أقل من نسب التلوث في مجرى النهر». وأضاف: «تفاقمت في الآونة الأخيرة مشكلتَي التلوث والتعديات في حوض نهر الليطاني ومجراه وروافده، وخصوصاً في منطقتي البقاع الأوسط والغربي، ما أدى إلى ارتفاع كبير في معدلات نسب التلوث في المياه، وانسداد مجرى النهر وروافده في مناطق عديدة، وإلى اختناق بالتصريف، وما ينتج عنه من فيضانات في بعض القرى والبلدات، ليطال الأماكن السكنية والأراضي الزراعية في فصل الشتاء».
وأكد أن «الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة، كما أصبح معروفاً، هو مكبّات النفايات الصلبة، وشبكات الصرف الصحي، والمياه المبتذلة لمعظم المدن والقرى والبلدات والمستشفيات والتجمعات الصناعية الموجودة في حوض الليطاني وروافده، وعدم وجود المعامل المتخصصة في معالجة النفايات الصلبة ومحطات التكرير لمياه الصرف الصحي والمياه المبتذلة».
ودق عبود ناقوس الخطر إزاء الواقع الذي يعانيه مجرى نهر الليطاني. وقال إن: «هذا الواقع الخطير أصبح ينذر، بفعل التراكم مع مرور الزمن والتأخير في المعالجة الجذرية، بأوخم العواقب، وبات يلامس حدوداً كارثية، وينعكس سلباً على جميع المستثمرين لحوض النهر ومياهه والقاطنين قربه»، موضحاً «أن المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، التي هي بموجب قانون إنشائها في عام 1954 المستثمر الرئيسي لمياه النهر في مجالَي توليد الطاقة وتأمين مياه الري للمشاريع الزراعية الكبيرة التي تديرها، أصبحت تعاني مشكلة جدية جرّاء تفاقم هذا الوضع الذي بدأ ينعكس سلباً على منشآتها، بدءاً من سد القرعون وأنفاق جر المياه إلى معامل توليد الطاقة ومحطات الضخ. علماً بأن رفع التعديات ومنع التلوث ومعالجته ليست من مسؤولياتها بموجب القوانين النافذة، لكونها تستثمر مياه النهر وليست مالكة له. بالرغم من ذلك، وإزاء هذا الوضع الخطير والمتفاقم، فقد عمدت المصلحة منذ ثلاث سنوات، بالتعاون مع الجهات المانحة والمفوضية الأوروبية، إلى إجراء المسح اللازم للحوض، ووضع دراسة هندسية مستندة إلى صور فضائية لتنظيف مجرى النهر في المناطق الأكثر اختناقاً لتسهيل التصريف ومنع الفيضانات».
وناشد عبود جميع المؤسسات والجهات المعنية، والبلديات ومنظمات المجتمع المدني، المساعدة، كل في مجال اختصاصه، من أجل إنقاذ حوض نهر الليطاني وتلافي الأسوأ. و«المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تناشد جميع الأجهزة المعنية والبلديات لمنع التعدي على مجرى النهر وروافده، ومنع إقامة الحواجز والسواتر الترابية داخل المجرى، التي تستعمل لتخزين المياه المبتذلة وضخّها لري المزروعات، وتترك هذه السواتر خلال فصل الشتاء، ما يؤدي إلى الفيضانات والأضرار».
وأشار إلى «أن المصلحة الوطنية أنشأت منذ ثلاث سنوات وحدة بيئية متخصصة ومجهزة بمختبرات نقالة وثابتة، تعمل دورياً وبانتظام على إجراء القياسات والتحاليل اللازمة من مجرى النهر ومن المياه الجوفية التي أثبتت نتائجها نسب التلوث العالية والخطيرة». وطالب بإعلان حال طوارئ بيئية لمجرى النهر، وإيلائه الاهتمام اللازم، والإسراع في إيجاد الحلول الضرورية لمعالجة الوضع الصعب والمستمر».
وعن النسب العالية والخطيرة للتلوث، يقول المهندس عبود إن: «أنواع التلوث في سهل البقاع أو في أي منطقة وحوض في العالم يحكمها القاطنون والمبتذلات، ونوعية الصناعات الموجودة. وفي سهل البقاع، وفي حوض نهر الليطاني. لا توجد صناعات ثقيلة تستعمل مواد كيميائية خطيرة، يعني لا يوجد عندنا معامل كيميائية ترمي نفايات في مجرى النهر. فمعظم النفايات أو الملوّثات هي شبكات الصرف الصحي وما ينتج من فضلات هذه الشبكات. وعندنا النفايات الصلبة التي تجمعها البلديات وتضعها إما في مجرى النهر أو قربه أو على الروافد والسواقي، وعندما يأتي فصل الشتاء، تذوب هذه النفايات وتنجرف إلى النهر. وهذا نوع من الملوّثات لا يوجد فيه معادن ثقيلة ورصاص وزرنيخ، لأن هذه المعادن هي التي تسبّب التلوث الخطير، ونحن عندنا خطورة من نوع ثانٍ، وهي الصرف الصحي. وإذا استمررنا هكذا، سنصل إلى كارثة بيئية».