صيدا ــ خالد الغربي
لا يزال نحو 5 آلاف من لاجئي حرب 1967 ومجازر أيلول الأسود غير حائزين أي أوراق ثبوتية. ومنذ ذلك الوقت، يتزوجون بعقود شرعية، لكن غير مسجلة في وزارة الداخلية، ويشكون تعرضهم مع أولادهم «للتوقيف والإذلال»


في القاعة التي استضافتهن داخل مخيم عين الحلوة، راح بعض النسوة الفلسطينيات يعرض همومه كمن يدخل في مباراة عن «المعاناة». فهذه تروي اعتقال ابنها، وتلك كيف تم توقيف ابنتها الطالبة في معهد للتمريض، وثالثة تتحدّث عن مصارحة أولادها لها بـ «يلعن الساعة اللي تزوجتوا فيها وافتريتوا علينا».
هذه الشهادات وغيرها تختصر معاناة نحو خمسة آلاف فلسطيني يعرفون بـ«فاقدي الأوراق الثبوتية»، الذين يعيشون على الأراضي اللبنانية من دون أي اعتراف رسمي بهم من الدولة اللبنانية أو وكالة الأونروا، مما يجعلهم يعيشون كملاحَقين دائمين.
وقد اجتمع أمس العشرات من «فاقدي الأوراق الثبوتية»، وأكثرهم من النساء، في مركز اتحاد المرأة الفلسطينية للمشاركة في لقاء عقد بحضور مندوبين عن المجلس الدنماركي للاجئين، الذي تكفّل بـ«العمل من أجل اللاجئين».
وناقش المجتمعون لأكثر من ساعة كيفية إيجاد الحلول والمعالجات التي تضع حداً لمعاناتهم المزدوجة. فهم من جهة، وكباقي اللاجئين، يعانون «فقدان أبسط مقومات الكرامة الإنسانية»، كما يعبّر أحد المشاركين، ومن جهة ثانية، يعانون الملاحقة والتوقيف وفقدان الاستفادة من المساعدات الإنسانية والاجتماعية.
وتكمن مشكلة هؤلاء المكتومين في عدم امتلاكهم هوية ثبوتية تؤكد انتماءهم، وهم من الذين وصلوا سابقاً إلى لبنان على دفعات تلت نكسة عام 1967 ومجازر أيلول الأسود في الأردن، ودخل أكثرهم إلى لبنان على شكل أفراد. وكان هؤلاء يتزوجون بعقود شرعية، لكن غير مسجلة في دوائر اللاجئين في وزارة الداخلية ولا لدى وكالة الأونروا، وخاصة أن الزواج يتم بموجب بطاقة انتساب إلى الفصائل الفلسطينية كبطاقة تعريف. وقد ترتبت على عقود الزواج تلك مشاكل اجتماعية وقانونية، نتيجة عدم استطاعة هؤلاء تسجيل أبنائهم في دوائر وزارة الداخلية اللبنانية، او في سجلات وكالة غوث اللاجئين. ولا يحمل فاقدو الأوراق الثبوتية سوى ورقة تعريف صادرة عن ممثلية منظمة التحرير في لبنان. ومن بين هؤلاء فلسطينيون يحملون أوراقاً ثبوتية مصرية وأردنية منتهية الصلاحية، وأصحابها غير قادرين على تجديدها.

المجلس الدنماركي: سياسة النفس الطويل

المحامية ميريل ربيز أشارت باسم المجلس الدنماركي للاجئين الى ضرورة عدم اليأس واعتماد سياسة النفس الطويل. وأشارت إلى العمل على تكوين ملف وطرحه على السفارات، ومحاولة تحصيل مساعدات مالية للحصول على بطاقات سفر، وكذلك ضرورة معالجة بعض الحالات في المحاكم لإثبات النسب، إضافة إلى حل بعض القضايا الأمنية. وذكرت ربيز أن الدولة اللبنانية ترفض التفاوض على الموضوع بما أنّه ليس هناك عدد محدّد وواضح عن هؤلاء، مؤكّدة في الوقت ذاته أن لجنة الحوار اللبنانية ـــــ الفلسطينية أدرجت موضوع «فاقدي الأوراق الثبوتية» كأولوية.
في المقابل، عبّر المجتمعون عن امتعاضهم بطريقة لم تخلُ من الغضب: «نحن مش متسولين والموضوع ليس فقط شوية مساعدات»، قال أحد المشاركين، بينما سألت أم العبد سلطان عن المسؤول عن هذه «الشرشحة والإهانات التي يلقاها أولادنا جراء الذل والاعتقال».
هذا الجو من الاحتقان والغضب حديا بمسؤولة اتحاد المرأة الفلسطينية آمنة جبريل إلى تصويب الوجهة والقول بوجوب مناقشة الموضوع بهدوء، معتبرة أنه «من أولويات الأخ عباس (زكي، مدير مكتب ممثلية منظمة التحرير في لبنان)». مضيفة: لا تنسوا أن الدولة اللبنانية لديها مشاكلها واستحقاقاتها الكثيرة، ويجب أن نكون متفهّمين، والأمر مش بهذه السهولة ومش عم نبني بيت في الأحلام».
هذا الكلام لم يقنع المشاركين، الذين أبدى عدد منهم أسفه «لعدم تحديد المسؤولية وعلى من تقع». وطالب أحدهم، أبو أحمد، بـ«تدخل عباس زكي لدى الدولة اللبنانية لتفرج عن أولادنا».
وهنا عاد المشاركون إلى رواية معاناتهم: فايز النجار، أب لـ14 ولداً، «يتم توقيفهم في كثير من الأحيان عندما يغادرون المخيم لأنه ليس لديهم ما يثبت وضعهم القانوني».
أمّا فاطمة عمران، زوجة عبد الرحمن عمران من جباليا في غزة، فتقول إن زوجها سجِن 5 شهور مع ابنه حسين قبل أن يتكفّل أحد اللبنانيين بمعالجة الأمر ودفع الرسوم للإفراج عنه. وتشير أيضاً الى توقيف ابنها عمران لمدة أسبوعين ومن ثم زوجها وكذلك ابنتها الطالبة التي تدرس التمريض. وكل ذلك بسبب عدم امتلاكهم ما يثبت شخصيتهم: «يا ويلي قدرنا أن نرضى بكل صنوف الذل ولا يقبل الذل. بنا شو منعمل؟ شو لازم نموت؟».
ويقول يونس يوسف سلمان إن جنسيته الأردنية قد احترقت إثر الاجتياح الإسرائيلي، ومنذ ذلك الوقت لا يملك أي مستند ولم يستطع الحصول على أي وثيقة ثبوتية.
لا يطلب أحد هؤلاء وهو خميس عطوي «أي منّة من أحد، كل ما أطلبه هو معاملتنا كبشر، وأضعف الإيمان معاملتنا كالفلسطينيين المقيمين في لبنان الذين يعيشون في ظل انعدام أبسط مقومات الكرامة الإنسانية».
أما عضو لجنة متابعة حملة الدفاع عن فاقدي الأوراق الثبوتية، عصام الحلبي، فيرى أن هذه الفئة من الفلسطينيين تواجه مشاكل اجتماعية وقانونية ترتّب عليها فقدان حقوقها الإنسانية. وبعدم اعتراف الدولة اللبنانية بوجودها الشرعي والقانوني، من خلال عدم تسجيل أفرادها في دائرة شؤون اللاجئين في وزارة الداخلية، تبقى خارج الحياة الإنسانية. إلّا أن عدد الموقوفين سابقاً ولمدد متفاوتة بلغ أكثر من 350 شخصاً وأكثر من 200 طالب وطالبة.