strong> راجانا حميّة
ينتظر تلامذة منطقة الشيّاح في ضاحية بيروت الجنوبيّة أمام مركز الخدمات الإنمائيّة التابع لوزارة الشؤون الاجتماعيّة في منطقتهم قبل ساعة من بدء النشاط. يتأفّفون ويراقبون الوقت في انتظار من سيفتح لهم الباب الذي ينقذهم من تعب الساعات الست التي يقضونها في قاعات مدارسهم بين الدرس والإصغاء. لكنّ فرحتهم بما ينتظرهم في المركز تكسر تأفّفهم فيعمدون إلى إطلاق ضحكاتهم عالياً وتبادل النكات والتعليقات...و«تلطيش» الفتيات المشاركات، اللواتي يلزمن السكوت، مكتفياتٍ بابتسامة خجولة تخفيها أياديهنّ الصغيرة.
تمضي الساعة، وكأنّها لم تكن، لتبدأ الساعات الترفيهيّة، التي لا يمكن أن تكون شبيهة بساعة الدرس رغم تشابه الأمكنة... ولا بأزقّة ضاحيتهم. فترات صغيرة من الترفيه ينتظرها أطفال منطقتي الشيّاح والغبيري وحي ماضي، ثلاثة أيّام في الأسبوع، للتعويض عن ساعات اليأس التي تتربّص بهم في ضاحية المدينة التي تفتقر إلى أبسط الخدمات، فهم أطفال يحتاجون إلى اللعب بعيداً عن أزقّتهم المفتوحة على الموت، وعن شوارع ضاحيةٍ حرمتهم الفسحات الخضراء وأماكن الترفيه، واستبدلتها بالباطون المسلّح لاستيعاب الكمّ الهائل من السكّان.
وهكذا لم يبق أمام ابن الضاحية، الذي لم يعد يُمضي فسحته في حيّه، سوى بضع غرف في مركز إنمائي يمنحه ساعات قليلة من الترفيه. وفي هذا الإطار، يقوم المركز، بالتعاون مع جمعيّة «DIA» الفرنسيّة بسلسلة نشاطات ترفيهيّة مموّلة من اللجنة العامّة للأعمال الإنسانيّة في المفوّضيّة الأوروبيّة. وتستهدف النشاطات الأطفال ما بين 12 و17 عاماً، وتتنوّع ما بين كرة القدم وكرة السلّة وتصميم المجوهرات والرسم والرقص الفولكلوري والكورال، وتستمر شهرين متتاليين، انقضى منهما أسبوعان.
في نشاط الأمس، توزّع فتيان وفتيات المنطقة بين ثلاثة نشاطات (تصميم المجوهرات والرقص الفولكلوري وكرة القدم) اختاروها لأسباب كثيرة تبدأ بالتسلية والترفيه وممارسة هواياتهم المفضّلة وليس آخرها «تعلّم مهنة تسعفهم في المستقبل»، على أنّ نشاط كرة القدم كان الأكثر استقطاباً للاثنين معاً، فتيان وفتيات، لأنّه الوحيد، بحسب تعبير فاطمة زبيب (مركز الخدمات) «الذي يسمح لهم باكتشاف أماكن مغايرة لأزقّتهم، وخصوصاً أنّ النشاط يقيمه المركز ودياً على أرض ملعب رياضيّ».
وكان اللافت في نشاطَي بعد الظهر (تصميم المجوهرات والرقص الفولكلوري)، أن المركز والجمعيّة عمدا قبل البدء إلى تخصيص نصف الساعة الأولى لفقرة التعبير الحرّ كجزءٍ من الترفيه النفسي، إذ تقوم إحدى المتطوّعات في «ديا» ساندرا عازار بالطلب من الأطفال اختيار موضوعات تشغلهم للحديث عنها والتعبير عمّا يجول في خواطرهم وما يؤرّقهم.
عقب فترة التعبير الحر، ينفرد الأطفال لممارسة هواياتهم، بحيث ينقسمون فئات يختارونها هم بحسب النشاط، وقد كان اللافت في «تصميم المجوهرات» أنّ معظم المنتسبين إليه من الفتيات، مع بعض الفتيان الذين برّروا اختيارهم للنشاط بـ«تأمين مهنة للمستقبل». أمّا في درس «الرقص الفولكلوري» فقد كانت الجلسة الأولى خالية من الحماسة المعهودة، فهي الساعة الأولى التي ينتظر فيها الأطفال التعرّف إلى مدرّبهم الجديد، على أن يبدأ الدرس الأوّل من «الدبكة» الأسبوع المقبل، عندما يأتون بثياب الرقص.