البقاع ـ نقولا أبو رجيلي
على مساحة أرض تبلغ 4590 متراً مربعاً خارج مدينة زحلة، يشاد حالياً سجن جديد «بمواصفات إنسانية»، ليستبدل به السجن الحالي الذي لا تزيد فيه المساحة المخصصة للسجين الواحد على متر مربع واحد. ومن المنتظر أن ينتهي بناء السجن الجديد قبل الشهر الثامن من العام المقبل


أكثر من 200 موقوف ومحكوم في سجن زحلة يتقاسمون مع إدارة السجن مساحة لا تزيد على 250 متراً مربعاً، هي عبارة عن الطبقة الأرضية من مبنى البلدية. والوضع غير اللائق إنسانياً الناتج من الازدحام، على حد قول رئيس بلدية زحلة ـــــ المعلقة المهندس أسعد زغيب لـ«الأخبار»، كان السبب الذي حدا البلدية إلى مطالبة المعنيين على مدى السنوات الماضية بنقل السجن إلى مكان أوسع. فأحياناً، يقول زغيب، يصل عدد السجناء إلى 260 في مكان لا يرى الشمس إطلاقاً، فضلاً عن الضجيج الذي يحدثه النزلاء، وخاصة أيام زيارات الأهل. ومن ناحية أخرى فإن البلدية بحاجة ماسة إلى المبنى لتأمين مكاتب لموظفيها عوضاً عن استئجار أماكن لهذه الغاية.
وفي ضوء ذلك، يضيف زغيب، قامت البلدية بمساعدة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لتأمين مكان خارج المدينة على العقار الرقم 2763 (مبنى وأرض تعاونية تجمع البيض سابقاً). وبناءً على قرار البلدية الرقم 30 تاريخ 7/2/2002، وبعد موافقة مجلس الوزراء بموجب المرسوم الرقم 8758 تاريخ 29/8/2002، تمت الموافقة على تقديم هبة نقدية بقيمة 100 مليون ليرة لبنانية للإسهام في بناء السجن، على أن يصرف من موازنة البلدية لعام 2002.
وعلى العقار المذكور، بدأت منذ أيار 2007 أعمال بناء سجن جديد بإشراف مصلحة الأبنية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وبمساندة فنية من جمعية فرح العطاء، وإسهام مالي من بلدية زحلة ـــــ المعلقة، بعدما رست المناقصة على إحدى الشركات الخاصة لتنفيذ المشروع خلال عام.

250 نزيلاً في 3000 متر مربع


ممثل الشركة المتعهدة المهندس إيهاب عبد الله قال لـ«الأخبار» إن المبنى الجديد مؤلف من طبقتين، وتبلغ مساحة البناء 3 آلاف متر مربع، متوقعاً أن يكون سجن زحلة من أهم السجون في لبنان، لما له من مواصفات فنية تفتقر إليها السجون الأخرى. فهو يضم 30 غرفة خاصة بالسجناء، متفاوتة الأحجام، وهناك غرف بمساحة 55 متراً مربعاً تستوعب 12 نزيلاً، وبعض الغرف مساحتها 20 متراً مربعاً تستوعب 6 سجناء. وقد خصصت غرف للحبس الانفرادي بمساحة 7 أمتار مربعة، على أن تكون تهوئتها بالطرق الحديثة.
وقد جهّزت الغرف الكبيرة بحمامين اثنين، أما باقي الغرف، فلكل واحدة منها حمام، بما فيها الانفرادي. ومن المفروض أن تؤمّن المياه الساخنة على مدى 24 ساعة، كما خُصِّصَت مساحات للتهوئة والتنزه، جميعها تطالها أشعة الشمس على مدى النهار. وهناك غرفتان كبيرتان بمساحة 250 متراً مربعاً ستستخدم للنشاطات الحرفية والأشغال المختلفة. أما بالنسبة إلى باقي مكونات المبنى، فهو يحتوي على عدة غرف معدة لإدارة السجن، وأخرى خاصة بعناصر قوى الأمن المولجين بالحماية. وركزت على أسطح الأبنية ثلاث غرف بشكل أبراج، مخصصة للحراسة والمراقبة. وهناك أمكنة للحراسة من الداخل والخارج. ولفت عبد الله إلى تجهيز غرفتين ستستخدمان مستوصفاً للعناية الطبية والاستشفاء، تتسعان لأربع أسرّة، وغرفتين للطبيب والممرضين. كما سيجري تجهيز مطبخ، بجانبه صالة لتناول الطعام خاصة بالسجناء، وغرفة لصالون الحلاقة. ولفت عبد الله إلى أن الدراسات لحظت غرفتين مخصصتين لمواجهة السجناء، حيث يفصل بينهم وبين زائريهم حاجز من الزجاج والحديد، وسيتم توصيل «إنترفون» ليتمكن السجين من محادثة الزائر ومشاهدته، إضافة إلى مكان مخصص لمقابلة المحامين مع موكليهم. وستؤمن المياه بواسطة بئر ارتوازية حفرت داخل المبنى، كما لحظت الدراسات وجود غرفة لمولد الكهرباء.
وعن كلفة المشروع، قدّر عبد الله المبلغ بحوالى مليون دولار أميركي مع الملحقات المفترض إضافتها بتمويل من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ـــــ مصلحة الأبنية ـــــ التي يشرف ضباطها على جميع مراحل البناء.

نجم: لتعميم التجربة على باقي المناطق

المهندس جورج نجم، الاستشاري بالمباني والطرقات، ومندوب جمعية فرح العطاء المساندة للمشروع من الناحية الفنية، أكّد أن دراسات إنشاء سجن زحلة أعدها عدة مهندسين مختصين وفقاً للمعايير العالمية، آخذين بعين الاعتبار جميع الظروف التي تحيط بأوضاع السجون اللبنانية. وأبدى نجم رضاه عن سير الأعمال، منوهاً بتعاون المديرية العامة لقوى الأمن الداخلى بتلبية متطلبات إقامة سجن يليق بالإنسان، مثل باقي الدول التي نجحت في كثير من الأحيان بجعل السجن مكاناً للإصلاح، لا مصدراً للمجرمين. وتمنى نجم على جميع الهيئات القضائية والعسكرية والمؤسسات الاجتماعية المساعدة بتأهيل السجناء وتقديم الإمكانات اللازمة ليخرجوا إلى المجتمع على نحو أفضل بعد إنهاء محكومياتهم. وأشار إلى أن من المتوقع أن يستوعب السجن ما بين 235 و250 نزيلاً في حد أقصى، متمنياً عدم زيادة العدد والعودة إلى اكتظاظ السجن، وبالتالي تكون كل الجهود قد ذهبت سدى.
وأمل نجم أن تُعِدَّ الدولة الدراسات اللازمة لتعميم نموذج سجن زحلة الجديد على باقي المناطق اللبنانية، مبدياً استعداد الجمعية الذي يمثلها لوضع طاقاتها لتحسين أوضاع السجون لترقى إلى مستويات الدول المتقدمة. وختم زغيب بضرورة الإسراع بإنجاز الأعمال لدواعٍ إنسانية وإدارية.
يذكر أن المفروض أن ينجز البناء في أيار 2008، مع احتمال تمديد المهلة ثلاثة أشهر إضافية لزيادة ملحقات ضرورية على البناء، ولتحسين المواصفات الفنية، على أمل إنجازه في الموعد المحدّد، ليتمكّن نزلاء سجن زحلة الحالي من الانتقال إلى مكان يليق بالإنسان. فالسجن الحالي لم يعد يتمتع بأدنى المواصفات الصحية والإنسانية، بسبب الازدحام بعدد نزلائه الذين «يحشرون» داخل 6 غرف ضيقة، ما يضطرهم إلى النوم «راس وكعب». وقد تكررت فيه العديد من التجاوزات خلال السنوات الأخيرة، من محاولات فرار وشغب ومحاولة إحراق المبنى وإدخال الممنوعات بمساعدة بعض العناصر. وقد أجريت عدة تحقيقات مسلكية وقضائية بالمخالفات. وبعد استفحال هذه الحالات عملت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي منذ ثلاثة أشهر على تسليم إمرة السجن إلى الملازم أول وليد الحكيم سعياً منها لضبط الأوضاع والحد من التجاوزات، بعدما كان قد تناوب على إمرته العديد من الرتباء وضباط الصف.