strong>عمر نشّابة
لا يجمع اللبنانيون على إنشاء المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكانت تصرّفات المحقّق ميليس غير المهنية قد أثارت شكوكاً عديدة. الأستاذ في جامعة جورجتاون في واشنطن يدعو الى اعتماد الشفافية وتوضيح معايير العدالة في اختيار القضاة وفي نظام العمل من أجل طمأنة اللبنانيين إلى عدم التسييس، فهل تستجيب الأمم المتحدة؟

يخشى أستاذ القانون الدولي في جامعة جورجتاون الأميركية في واشنطن البروفسور داوود خير الله من سقوط العدالة ضحيةً أولى جراء تسييس المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي يُعمل على إنشائها. وركّز خير الله، خلال لقاء جمعه و«الأخبار» في بيروت، على عمل المدعي العام الدولي في المحكمة الذي سيعيّن قريباً والذي قد يقوم بمهمات قاضي التحقيق إذا تبيّن أن التقرير النهائي لرئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس لا يشير الى ختم التحقيق، وإذا أُنشئت المحكمة خلال الفترة القريبة المقبلة. وإذا لم تنشأ المحكمة في هذه الفترة، فقد يعيّن الأمين العام رئيساً جديداً للجنة التحقيق الدولية يخلف سيرج براميرتس الذي سيغادر موقعه في آخر هذا العام.
ما يخشاه خير الله هو ألا تكون سلطة رقابة أو تدقيق على عمل قاضي التحقيق، بينما كانت السلطة المخوّلة الرقابة والتدقيق في عمل لجنة التحقيق الدولية هي القضاء اللبناني، لكون وظيفة اللجنة، كما حددها قرار مجلس الأمن 1595 (7 نيسان 2005)، هي «مساعدة السلطات اللبنانية في التحقيق» (الفقرة الأولى). وبما أنه لا سلطة رقابة على المدعي العام الدولي فسيعمل هذا الأخير «في الظلام»، كما قال خير الله، وقد يستخدم نفوذه والصلاحيات الممنوحة إليه بحسب نظام المحكمة لخدمة أهداف سياسية، إذ يمكنه، مثلاً، المماطلة في التحقيقات واستدعاء شخصيات سياسية للاستماع الى إفاداتها من دون أن تقتضي ضرورات التحقيق ذلك، بل من أجل إشاعة جوّ من الاشتباه بجهة ما في ارتكاب الجريمة أو الإعداد لها. وقال خير الله إن ما يحدث في العلن، أي كلّ ما سيجري في قاعة المحكمة الدولية، لا يدعو الى القلق، فهو تحت المجهر وشفّاف وخاضع للمساءلة بحسب المعايير المهنية والقانونية الدولية، ولكن ما يدعو الى القلق على تطبيق العدالة تطبيقاً سليماً في هذه القضية هو ما يجري في السرّ خلال عملية التحقيق. لذا، ومع غياب السلطة المخوّلة مراقبة عمل قاضي التحقيق، على رغم وجود قاض ما قبل المحكمة، يحرص خير الله على اعتماد معايير الكفاءة والنزاهة والاستقلالية والجرأة في اختيار المدعي العام الدولي. فقد يرتكب هذا الأخير أخطاء مقصودة أو غير مقصودة، وأبرز دليل على ذلك الأخطاء المهنية والقانونية العديدة التي ارتكبها رئيس لجنة التحقيق الدولية السابق ديتليف ميليس خلال المراحل الأولى من التحقيق.
ويعتقد خير الله أن جريمة اغتيال الحريري هي جريمة سياسية بامتياز، وأن التحقيق ينبغي أن يركّز على الجهة المستفيدة.

الموقوفون في القضية

قال خير الله، الأستاذ في إحدى أهمّ الجامعات في واشنطن، إن توقيف الأشخاص المتّهمين وسجنهم لأكثر من سنتين من الزمن من دون مواجهتهم بالأدلة أمر يخالف المعايير القانونية الدولية. ويطرح ذلك أسئلة عن مبرّرات اعتقالهم. وأكّد أن الموضوع يخضع لسلطة القضاء اللبناني ومسؤوليته، وأن لجنة التحقيق الدولية كانت قد أعلنت، على لسان رئيسها في عدّة مراسلات، أنها قدّمت كلّ المعلومات التي جمعتها عن الضباط الأربعة اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان الى القضاء اللبناني وتركت له دون غيره اتخاذ القرار بإخلاء سبيلهم أو مواجهتهم بالدلائل التي تدينهم قانونياً، ولكن السلطات القضائية اللبنانية لم تتحرّك ويبقى الموقوفون وراء القضبان وهذا تجاوزٌ لمعايير العدالة.

التدقيق في المعايير

يُفترض أن تنشأ المحكمة «استناداً إلى أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية»، بحسب نصّ قرار مجلس الأمن 1757 الصادر تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. يقتضي ذلك تنظيماً واضحاً وشفّافاً لهيكلية المحكمة والمراحل المختلفة المتبعة لإنشائها بحسب معايير مهنية وقانونية دقيقة. ولا شكّ أن مرحلة تعيين القضاة والمدعي العام الدولي من أدقّ تلك المراحل وأكثرها حساسية.
يذكر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى مجلس الأمن عن التقدم في إنشاء المحكمة بحسب القرار 1757، أنه سيعيّن القضاة بناءً على توصيات لجنة خاصة مؤلفة من قاضيين دوليين وممثل عن الأمين العام.
وبالتالي ستوصي اللجنة باختيار 4 قضاة لبنانيين من لائحة مؤلفة من 12 قاضياً تقدّمت بها الحكومة اللبنانية في 10 تمّوز الماضي بناءً على اقتراح مجلس القضاء الأعلى. ويذكر تقرير الأمين العام أن اللجنة قد تطلب تزويدها لائحةَ قضاة بديلة إذا تبيّن لها أن مواصفات القضاة الـ12 لا تتناسب مع معايير الاختيار.
وأشار الأمين العام إلى أن لجنة الاختيار بدأت العمل في تشرين الأول وستقوم بمقابلة القضاة المرشحين للانضمام الى المحكمة خلال الخريف مع الأمل في أن تتمّ عملية الاختيار قبل نهاية العام، ولكن الأمين العام لم يذكر بدقّة ما هي المعايير التي ستعتمدها لجنة الاختيار، ولم يذكر المعايير التي يعيّن على أساسها أعضاء لجنة اختيار القضاة.
في أواخر شهر أيلول الماضي وجّهت «الأخبار» عبر مراسلها في نيويورك نزار عبود أسئلة خطّية الى المستشار القانوني للأمين العام نيكولا ميشال عن المحكمة الدولية، ولم تحصل على أجوبة، وفي 5 تشرين الثاني أرسل عبّود الأسئلة مجدداً عبر الناطقة باسم الأمين العام ميشال مونتاس، ولم يحصل على جواب.
تناولت الأسئلة معايير اختيار القضاة وما إذا كانت هناك مواصفات مفصّلة مسجّلة في المدوّنات لمراجعتها. وسألت «الأخبار» عن مكان وتاريخ المقابلات التي ستجريها اللجنة مع القضاة المرشحين للانضمام الى المحكمة. وسألت عن مصادر المعلومات التي سيتزوّدها أعضاء لجنة الاختيار عن القضاة اللبنانيين المرشّحين، وكيفية تأكّدها من دقّة تلك المعلومات.
أما في ما يخصّ تعيين المدعي العام الدولي فكان الأمين العام قد ذكر في تقريره أنه ألّف لجنة خاصّة تختلف عن لجنة اختيار القضاة تقدّم توصيات متعلقة بالمرشّح المناسب لتلك الوظيفة «بالتشاور مع الحكومة اللبنانية» (الفقرة 12 من تقرير الأمين العام الى مجلس الأمن)، ولكن كما هي الحال في عملية اختيار القضاة لم يذكر الأمين العام المعايير التي يفترض أن يلتزم بها في اختيار أعضاء اللجنة.

البحث عن أسباب سجن الضباط الأربعة

شهدت «الأخبار» على نقاش دار بين عدد من المحلّلين السياسيين والأكاديميين والقانونيين حول موضوع البحث عن المبرر الأكثر إقناعاً لسجن الضباط الأربعة منذ عامين ونصف في ظلّ التعتيم على الموضوع وعدم مواجهة المتّهمين بالدلائل التي تشير إلى ضلوعهم بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وأجمع المشاركون في النقاش على أن انتماء ثلاثة من الضباط الأربعة إلى مؤسسة الجيش اللبناني لا يبدو صدفة، وأن تاريخ هؤلاء الضباط يشير إلى نجاحهم في رصد نشاط استخبارات غربية وإسرائيلية في لبنان ومواجهتها. ويطرح ذلك أسئلة عديدة عن احتمال ارتباط أسباب سجن الضباط الأربعة بخطوات تقوم بها جهات داخلية رسمية وغير رسمية لتسهيل عمل الاستخبارات الدولية والعربية في لبنان وتطوير عمل جهاز استخبارات محلّي يعمل بالتنسيق مع استخبارات خارجية.