النبطية ــ كارولين صبّاح
لكل طرف روايته المختلفة بشأن مكب النبطية الفوقا؛ لكن الأهالي يؤكدون أن استخدام المكبّ بدأ منذ ما يقارب الستة أشهر، بعدما استأجرت بلدية النبطية الفوقا وبلدية النبطية الأرض من أصحابها لقاء بدل محدد. أما مالكو الأرض (سليم يونس وأولاده)، فيشيرون إلى أن البلدية تستخدم الأرض من دون علمهم ومن دون دفع أي بدل مادي، وموافقتهم كانت «عملاً إنسانياً»، على أن تستعمل لمدة عشرة أيام فقط. أما بالنسبة لبلدية النبطية الفوقا، فاستخدام «الأرض كان لشهر واحد، وإن أي استخدام له هو بطرق غير شرعية ولا علاقة للبلدية به؛ أما عن البدل المادي، فهو موجود في البلدية».
بات من المؤكد أن التلوث ينتشر، وحتى المزروعات لم تعد تنمو بشكل طبيعي في المناطق المحاذية، أما «المضحك المبكي» في الأمر أن أصحاب الأرض غرسوا حول المكبّ عدداً كبيراً من نصوب الزيتون التي أتى عليها حريق منذ فترة بعد أن امتد من المكب إلى الحقول المجاورة.
تبدأ القصة من «حي الهيجا» في النبطية الفوقا، حيث سجلت أربع حالات سرطانية في الرئة والدماغ والكلى، يضاف إليها عدد كبير من أمراض الحساسية والربو. وآخر إصابة سرطانية سجلت للطفل محمد علي جابر (9 سنوات)، الذي يعالج حالياً من سرطان الرئة بعد أن فقد والدته نتيجة المرض العضال.
جميع هذه الأمراض التي أصابت وتصيب أهالي النبطية الفوقا، ناتجة بحسب الأهالي، من مكب للنفايات عند أطراف البلدة، بالقرب من الطريق المؤدية إلى بلدة زوطر الشرقية؛ هذا المكب الذي أقفل منذ 6 سنوات بقرار من محافظ النبطية، عاد ليفتح أمام الشاحنات المحمّلة بالنفايات، انطلاقاً من اتفاق مع مالك العقار بعد إقفال مكب أرنون منذ أقل من سنة، وبعدها استمرت الشركة المكلفة بجمع النفايات باستخدامه بطريق غير مشروعة، عبر سلوك طريق جانبية.
قضية المكب عادت وتفاعلت بعد أن استمر استخدامه أكثر من الفترة المقررة طيلة سبعة أشهر، حيث كانت الشاحنات تأتي ليلاً لإفراغ بقايا مسلخ النبطية، والإطارات والحديد وأنواع مختلفة من النفايات، ليصار إلى إحراقها لا إلى طمرها.
فارس فقيه الذي يقطن مقابل المكب يقول: «إن الوضع لم يعد يحتمل، لا يمكننا أن نجلس خارج المنزل بسبب الروائح الكريهة التي تهب من المكب مع كل نسمة هواء، حتى بتنا نرى الآن أنواعاً غريبة من الحشرات والذباب، التي لم تكن موجودة من قبل، والتي يسبب لسعها أوراماً واحمراراً والتهاباً». ويضيف: «المكب أقفل منذ ست سنوات بقرار من محافظ النبطية، نتيجة الضرر الذي سببه لأهالي المنطقة، ولا نعلم لماذا أعيد استخدامه علماً بأنه قريب من البلدة ومن المنازل، وضرره على البيئة والصحة واضح ومباشر».
منصور جابر الذي فقد ثلاثة من عائلته نتيجة مرض السرطان، ويعاني حفيده من سرطان الرئة، قال: «لن أتكلم كثيراً، بل أمراضنا هي التي ستتكلم؛ لا نتنشق هواءً نقياً، ولا نشرب مياهاً نظيفة، حتى زرعنا لا ينمو بسبب الهواء الملوث؛ أشجار الحامض والتين يبست؛ سابقاً اضطررنا لأن نقطع الطريق على الشاحنات وحاولنا تحطيمها، فسارع المسؤولون إلى إقفاله؛ وأقول إننا سنتحرك ونحرق شاحنة أخرى إذا لم يقفل المكب نهائياً». أما زوجته فتعاني من حالات اختناق مستمرة، تدخل على اثرها إلى المستشفى، ما يؤثر سلباً على وضعها الصحي، وخاصة أنها نزعت كليتها منذ فترة.
ويقول سليم يونس مالك الأرض: «إن الأرض كانت مقلعاً في ما مضى، وقد أقفلت لفترة طويلة، حتى طلبت منا البلدية عام 1995 تأجيرها قطعة الأرض، لرمي نفايات البلدة لمدة 4 سنوات؛ وبعد الإقفال طلبت البلدية منا منذ فترة استعمال الحفرة لمدة أسبوع أو عشرة أيام، على أن يتم طمر النفايات، ولا علم لنا باستمرار العمل كوننا بعيدين عن المنطقة؛ أما عن البدل، فقد وعدتنا البلدية بدفع مليوني ليرة ولكننا لم نقبض شيئاً بعد مرور 7 أشهر».
ويستغرب رئيس بلدية النبطية الفوقا أسد غندور، «كيف أن المكب لا يزال يستخدم حتى الآن». ويقول: «الاتفاق مع مالك الأرض كان باستخدامه مدة شهر فقط ومجاناً، ولكن بعد أن استخدمته بلدية النبطية، طالب ببدل والمبلغ المقرر له (أربعة ملايين ونصف مليون ليرة) موجود في البلدية؛ وستقوم البلدية بطمر ما بقي من النفايات بالتراب حتى تختفي الروائح نهائياً».