جان عزيز
يعتقد كثيرون أن كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أول من أمس، لم يكن تصعيدياً، بل كان في حدود الموقف الاستباقي، لمراحل زمنية ثلاث متتالية، بدءاً من صباح اليوم.
المرحلة الأولى التي تنطلق التاسعة من قبل ظهر هذا النهار، عنوانها عودة وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير إلى بيروت في زيارته الخامسة، واستهلالها بزيارة بكركي ولقاء البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير. والخطوة الاستباقية التي أطلقها السيد حسن نصر الله حيال مرحلة كوشنير هذه، مرتبطة بالمعلومات المتوافرة لدى المعارضين، عن أن المسعى الفرنسي بات يضمن طرحه الشروط الأميركية في الملف الرئاسي.
وبالتالي فإن مبادرة كوشنير باتت تحمل في صلبها لغماً إضافياً هو القرارات الدولية وسلاح حزب الله، من دون الاستعانة بالكاسحة اللبنانية الوحيدة لهذا اللغم، أي العماد ميشال عون. وما زاد من عطب المسعى الفرنسي أن الموفد الرئاسي كلود غيان التقى بأركان الموالاة من دون المعارضة، وهو ما جعل من الفخ المستدخل في مسعاه أمراً يقتضي التحوّط، وهو ما بادر إليه نصر الله.
أما المرحلة الثانية والتالية زمنياً، فهي تلك المرتبطة باحتمال تقطيع الوقت أو تضييعه، منذ الآن وحتى 24 تشرين الثاني الجاري، أي الوصول إلى نهاية ولاية الرئيس إميل لحود الممددة، في غياب أي رئيس جديد منتخب وفق الأصول الدستورية للجمهورية اللبنانية. وتجاه هذه المرحلة، جاء كلام نصر الله الاستباقي منسّقاً على ما يبدو مع موقف لحود، لجهة مطالبته بخطوة وصفها الأول بالإنقاذية، والهدف منها عملياً عدم ترك اللعبة الدستورية بين أيدي الرئيس فؤاد السنيورة أو مع رئيس غير دستوري. وتردد أن كلام الأمين العام لحزب الله في هذا الإطار، أي مناشدة لحود تحديداً، جاء تلبية لرغبة الأخير، ونزولاً عند تمنٍّ واضح وصريح أبلغه لحود لكل مَن راجعه وفاتحه في سيناريو 24 الجاري. ذلك أن رئيس الجمهورية بات يقف فعلياً عند خيار تسليم المجلس العسكري للجيش زمام الأمور، استناداً إلى اجتهاد قانوني وقراءة خاصة لقانون الدفاع الوطني، في مادته الرابعة تحديداً، حول حالات الطوارئ. غير أن بعض المعارضة كان قد اقترح على لحود خطوات أخرى، على اعتبار أن قيام رئيس نصفي من الموالاة، أو استمرار السنيورة في السرايا، لا يمكن مواجهتهما بخطوة عسكرية بحتة، بل يقتضيان قيام إطار سياسي ـــــ دستوري مقابل. وعُلم أن لحود طلب لذلك تغطية واضحة وصريحة لمثل هذه الخيارات، من المعارضة مجتمعة، وفي شكل علني. وإذا كان كلام نصر الله قد عدّ كافياً من بعبدا، نظراً للاعتبارات الأمنية المتعلقة بوضع الأمين العام لحزب الله وقدرته على الانتقال، فإن تمنّي لحود لتغطية خيارات 24 الجاري، يبدو أنه يتّسع ليبلغ ضرورة حصول زيارات علنية إلى قصر بعبدا من الأركان المعارضين الآخرين، وحتى من المعنيين دستورياً بالاستحقاق واحتمالاته وسيناريواته، علماً بأن هذه المرحلة تبدو حتى اللحظة غير منسّقة مع القوى المقصودة بالطرح.
وتبقى المرحلة الثالثة زمنياً، في الكلام الاستباقي لنصر الله، وهي تلك المرتبطة بحديثه عن تفخيخ الساحة الفلسطينية. والمقصود بهذه المرحلة تحديداً، أنه بعد إضافة الوقت الباقي حتى نهاية الولاية، وبعد دفع البلاد إلى الفراغ الرئاسي، وبعد إقدام الموالاة على خطوة ما لإحكام سيطرتها على المؤسسات الدستورية، أكان بواسطة الرئيس النصفي أم باستمرار السنيورة، فإن التخوّف القائم لدى المعارضين، وتحديداً لدى حزب الله، يكمن في احتمال تحريك الوضع الأمني عبر الخاصرة الفلسطينية، لتسعير المواجهة السنّية ـــــ الشيعية، كما لاستدراج سلاح حزب الله إلى الداخل اللبناني، والبيروتي تحديداً.
رسائل نصر الله الاستباقية هذه، بدا أن أكثر مَن تلقّفها الجانب السعودي. فلم يلبث السفير عبد العزيز خوجة أن تحرّك على خط عين التينة ـــــ قريطم، عاملاً على طلب المساعدة للتهدئة واستيعاب ردود الفعل. وعُلم أن اتصالات بهذا الشأن شملت الرابية وحزب الله مباشرة، في محاولة لاحتواء الانتقادات الشرسة التي رد بها بعض فريق الموالاة على كلام نصر الله.
وإذا كان المسعى السعودي قد اقتصر على معالجات التهدئة، فإن أركان الموالاة كما المعارضة باتوا يقلّلون من أهمية المسعى الفرنسي، أو حتى ينظرون إلى خطوة كوشنير اليوم على أنها مجرد اكسسوار إعلامي لا يعوّل عليه ولا ينتظر منه أي نتائج. حتى إن أوساط عين التينة باتت أقرب إلى سوداوية عنوانها ترقّب خطوة أخيرة تصدر إمّا من بكركي وإمّا من القوى الموالية أو القوى الغربية في اتجاه الرابية تحديداً. فالرئيس نبيه بري لم يعد في مرحلة انتظار المؤدّى المسيحي لينتقل بعده إلى التوافق مع سعد الدين الحريري، بل أصبح مدركاً أن أي اتفاق شيعي ـــــ سنّي لا يمكنه أن يغطي إمرار الاستحقاق الرئاسي. وهو لذلك ينتظر حكماً، وفي شكل لا يمكن تخطّيه، الإشارة المسيحية للانطلاق في آلية الاستحقاق. وهو قرّر بدافع من هذا الواقع تكثيف حركة موفديه المباشرين أو غير المباشرين، نحو البطريرك والعماد عون، للتباحث في كيفية «تخريج» الوضع، علماً بأنه حتى اللحظة يعرف أن مقاربة عون متوقّفة عند السؤال الذي طرحه الجنرال: هذا هو مشروعي للحل، فمَن يمكنه تنفيذه؟ أو مَن يملك مشروعاً آخر؟ أمّا في بكركي فالبحث لا يزال عند مستوى الرفض الرسمي للدخول في الأسماء، والإيحاء السرّي بأشخاص قريبين من الصرح، وآخرهم الشيخ ميشال بشارة الخوري. وبين كل هذه التناقضات، يستمر الوقت وحيداً في السير، وسط مراوحة كل ما عداه.