strong>فداء عيتاني
يجلس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مرتاحاً في كنبته في السرايا، واثقاً بأن العالم الغربي كله يدعمه ولا يريد سواه في كرسي رئاسة الحكومة، بل ويؤيد بقاءه في مكانه إذا تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية في الأيام المقبلات، وبالتالي يعيش رئيس حكومتنا ارتياح مرشح رابح لرئاسة الجمهورية، وقد لا ينغصه الكلام عن أن «إميل لحود آخر الرؤساء الموارنة للبنان».
في مكان آخر من العاصمة يجلس الرئيس سليم الحص، يستقبل زواره اليوميين، يبدي أمامهم استغرابه من مواقف السنيورة، ولا ينسى أن يقول إن ماضي السنيورة القومي العربي النضالي يعطي عنه صورة إيجابية، بينما تصرفاته اليوم مستغربة. يكاد الحص يصل إلى حافة اليأس، يسرّ للخاصة من زوّاره أنه يائس أو يكاد، وأن الأمور تتجه إلى أزمات أقسى مما نمر به حالياً وخاصة مع تراجع حظوظ التسويات.
الحص الذي زار الرئيسين لحود وبري سمع من الأخير تأييداً لفكرته، لكن بري أخبر زائره الرزين استحالة تأييد مبادرته علانية، أو حتى تلميحاً، فهو قيد فتح مسارات أخرى مع الموالاة، ولا يمكنه دعم مبادرة الحص حتى لا يظهر كأن تلك المسارات قد أغلقت، وهو ما لا يتطابق مع الواقع في توقيت زيارة الحص يوم الخميس في الأول من تشرين الثاني الحالي، أي خلال الموجة التفاؤلية التي أعقبت لقاء ميشال عون وسعد الحريري.
يخرج وفد علمائي من زيارة رسمية للحص، حيث يدعو الشيخ حسان عبد الله مضيفه إلى عدم اليأس، ويشيد بالرجل، الذي وقف بين الثامن من آذار والرابع عشر منه، دون أن يتورط في الاندماج في أي منهما، إلّا أن الرجل أسرّ لعدد من زوّاره بأنه على حافة اليأس.
أحد علماء الدين المنخرطين في صفوف المعارضة يتحدث في مجالسه الخاصة عن الرئيس الحص «إذا ما أرادوا منا تصديق همّهم الوطني، وسعيهم إلى بناء دولة وكيان فعليهم التفكير جدياً في حكومة يرأسها الحص». ويدرك عالم الدين أن الحص نفسه قد لا يوافق، كما أن بعض المعارضين سيحتجّون ضمناً على تسمية الحص، إلا أن عالم الدين المعارض يقول إن «الحص لم يوفّر أحداً بنقده، ولم يرحم المعارضة في العديد من المحطات، وهو يمثّل فعلاً قوة ثالثة».
وينتقد أحد الملامسين لمركز القرار في المعارضة العديد من القوى والشخصيات السنية المعارضة، ويضيف إن الأكثرية لا ترى في الحص إلا خصماً لها، ولا تتعامل معه بما يستحق من حيادية، بينما يفتفر العديد من القوى الإسلامية والسنية إلى قواعد تؤهله لإيجاد توازن مع قوى الأكثرية، كما أن بعض هذه القوى لم يعمل، ولا يعمل على بناء قواعد، رغم توجيه العديد من النصائح إليه بهذا الخصوص. ويضيف إن هذه القوى معذورة لانشغالها بالصراع اليومي، لكن المطّلع تماماً على قوى المعارضة الرئيسية من حزب الله والتيار الوطني الحر لا يجد جواباً عن كيفية بناء حزب كحزب الله، وتيار كالتيار الوطني في خضمّ نزاعات يومية اتّسمت حينها بالدموية.
يبقى سليم الحص الذي يعيش وادعاً في منزله في محلة شعبية، الرجل الأهدأ في سياق تجاذبات تكاد تطيح النظام اللبناني نفسه. قد يبلغ شيئاً من اليأس، إلا أن الشارع الشعبي الذي يقطنه يضحك على نكتة يتداولها وتقول إن الشيخ سعد سينضم بخيمته إلى المعتصمين في الوسط التجاري مطالباً برحيل السنيورة، كما يجري على مستوى التجار والصناعيين والماليين تداول معلومات عن إعطاء السنيورة مواعيد وتعهدات بتغييرات وتلزيمات بدءاً من شباط المقبل.
وبينما يتحدث الحص بتواضع أمام عدد من زوّاره عن ماضي السنيورة العروبي، كنقطة تسجّل للرجل، فإن السنيورة يتحدث عن رفيق الحريري سائلاً بعض زوّاره: «لقد صمدت في أصعب الظروف، فما كان يمكن رفيق الحريري القيام به لو كان في مكاني في رأيكم؟».
لم يعد الحص وحده من يكاد يغادر كرسيه خلال لقاءاته السنيورة، فقد شددت أوساط مقربة من الحريري للزميلة «السفير» يوم الثامن من تشرين الثاني الحالي على ضرورة تفادي الفراغ «وأننا لا نريد رؤية هذه الحكومة تستمر يوماً واحداً بعد 24 الجاري».