المصنع ــ الأخبار
يزدحم معبر المصنع بالمسافرين، وبشكواهم من التأخير في إنجاز معاملاتهم، أو من زيادة السائقين للتعرفة المتفق عليها، فيما يرجع السائقون أسباب تلك الزيادة إلى رشى يدفعونها لعناصر من الأجهزة الأمنية

تشهد نقطة المصنع الحدودية بين لبنان وسوريا ازدحاماً للعابرين عند مركز الأمن العام اللبناني. وترتفع بين عابري الحدود من لبنانيين وعرب وأجانب، شكاوى من انتظارهم وقتاً طويلاً، فيما يتمكّن البعض منهم من إنهاء معاملاتهم بسرعة. وفي زيارة لمنطقة المصنع، التقت «الأخبار» عدداً من العابرين والسائقين الذين لم تقتصر شكاواهم على عناصر الجمارك اللبنانية، متهمين إياهم بتقاضي الرشى علناً ومناصفةً مع المراقبين المفترض أنهم مكلفون تسطير تقارير عن أي رشوة أو ابتزاز، بل انسحبت هذه الشكاوى على عناصر من الأمن العام اللبناني الذين يتهمهم عدد من السائقين وعابري الحدود بأنهم وجدوا طريقة جديدة يتقاضون بها الرشوة بعيداً من أعين «الاستقصاء» والمواطنين، مسهّلين مرور عدد من العابرين على حساب آخرين. وتقتضي الطريقة الحديثة أن يكون السائق وسيطاً بين العنصر والمواطن، وبين العنصر وعدد من أصحاب مكاتب الصيرفة الذين توضع «الهدية» كأمانة عندهم ليأتي العنصر لاحقاً لتسلّمها.
وفي مقابل ادعاءات السائقين والعابرين، أكّد مصدر مسؤول في المديرية العامة للأمن العام أن المدير العام اللواء الركن وفيق جزيني مستعد لمتابعة أي شكوى تقدّم للمديرية مباشرة أو عبر صندوق الشكاوى، ضد أي من عناصر الأمن العام. وأكّد المصدر أن المديرية تحيل على القضاء العسكري أي فرد أو ضابط ارتكب أي مخالفة، وأن إجراءات المحاسبة داخل المديرية قاسية بحق المخالفين، وتصل أحياناً إلى الطرد من المديرية أو خفض الرتبة. واعتبر أن كل الإجراءات التي تتخذها المديرية العامة للأمن العام هدفها تسهيل أمور المواطنين، داعياً عابري الحدود إلى عدم المبادرة إلى عرض الرشاوى على أي موظّف لأن الراشي والمرتشي يرتكبان الجرم نفسه، ولأن ذلك يؤدي إلى تضييع حقوق العابرين الآخرين. وأضاف أن المديرية تعمد كل فترة إلى تبديل كل العناصر الذين يخدمون عند المعابر الحدودية، وذلك استباقاً لعدم قيام أي عنصر بأي مخالفة.

زيادة تعرفة الركاب

ومن الشكاوى التي ذكرها عدد من المواطنين لـ«الأخبار» أن «الهدية» التي يدفعها سائق السيارة بهدف تسريع معاملات الركاب تؤدي إلى زيادة التعرفة التي كان السائق قد اتفق عليها مع الركاب.
واحدة من هؤلاء الركاب، ز. أ.، تستنكر الزيادة التي طلبها منها السائق عند ترجّلها من السيارة، ويحصل شجار بينها وبين السائق الذي بات يريد «الخلاص»، وتصيح بصوت عالٍ: «بأي حق تريد مني زيادة مئة ليرة سورية؟»، عندئذ لم يصمد السائق أمام اتهاماتها له بالسرقة فقال أمام الجميع إن الزيادة سببها الزحمة الموجودة وقيام عنصر الأمن العام «بتيسير معاملات الركاب التي قد تطول ساعة أو أكثر، وأخذه مني مئة ليرة عن كل هوية».
أما س. ع.، سائق حافلة سياح أجانب قادمة من سوريا، فلم يخفِ الأمر، بل عبّر عن امتعاضه من «الحالة التي وصل إليها مركز الأمن العام»، قائلاً «لم يكن يجرؤ أحد سابقاً على عرض هدية أو رشوة على عناصر الأمن العام لدى وقوعه في أي مشكلة عند الحدود». وأضاف: «كان يوجد انضباط تمنيناه أن يكون عند عناصر الأجهزة الأمنية الأخرى من لبنانية وسورية». وعن طريقة الدفع اليوم يقول السائق: «لا علاقة للراكب بالعنصر. علاقة الأخير بنا. وبعد الاتفاق معه على المبلغ ـــــ الهدية، تُنجز المعاملة، وبعدها ندفع المبلغ المطلوب لأحد مكاتب الصرافة حسب الاتفاق، على أن يأتي العنصر لأخذها من المكتب لاحقاً». ويتابع أن «تيسير المعاملة هذا يُحرج السائقين في مواجهة الركاب الذين لا يقبلون أي زيادة على ما هو متفق عليه كأجرة».
«شوفير الخط بين لبنان وسوريا صندوق أسرار الحدود». بهذه العبارة يحاول سائق تاكسي «عتيق» ألا يبوح باسمه، وأن يختصر مشواره مع كل مَن مرّ عليه مِن أمن عام لبناني وسوري وجمارك عند هذه الحدود منذ عشرين عاماً. بدأ بعناصر الجمارك الذين «يفاوضون على كل شيء. وكل شغلة عندن إلها سعر، حتى لمّا ما يكون معنا شي لازم ندفع 50 ليرة سوري على ختم الدخول و50 ليرة على ختم الخروج».
أما عن الأمن العام اللبناني، فقال إن ثمن إنجاز المعاملة لدى عدد من عناصره ليس دائماً أموالاً نقدية: «أحياناً يطلبون منا شراء سلع لهم من سوريا على حسابنا. وعندما نحضرها نضعها أمانة في أحد المحال الموجودة على خط المصنع».
أما ج. ك.، اللبناني الأصل الذي يحمل جواز سفر أجنبياً، فيشكو مما يراه عرقلةً لدخوله عبر الحدود البرية: «لا أعرف أسباب بقائي على الحدود لأكثر من ساعتين. ولم أستطع الدخول إلا بعدما توسط لي السائق وقبض مني 50$».