نيويورك ـ نزار عبود
إذا كان حل قضية احتلال مزارع شبعا بالوسائل الدبلوماسية يمكن أن يعدّ أكبر إنجاز يمكن أن تحققه حكومة فريق 14 آذار، فإن التحديد الأخير لمنطقة المزارع من جانب خبير الخرائط الدولي لم يؤدِّ إلا إلى بلوغ طريق مسدود. إذ إن التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أخيراً، ضمن إطار مراجعة تطبيق القرار 1701، لم يقل إن المزارع لبنانية. بل اكتفى بتحديد حدود المنطقة والإشارة إلى مرجعياتها الجغرافية بناءً على وثائق ومحفوظات لبنانية ونقاط حدود فرنسية، تاركاً الأمور مبهمة، وله شأن في ذلك. إذ يتعين على الأمين العام، وخصوصاً إذا كان «مسالماً»، أن يراعي آراء «الدول صاحبة الشأن في مجلس الأمن» عند معالجة قضية المزارع، كما جاء في القرار 1701. ولذا أصبحت المشكلة التي كانت بين لبنان وإسرائيل، في تقريره السادس، مشكلة بين لبنان وسوريا! إذ أشار تقرير الأمين العام، الذي سيناقش في مجلس الأمن نهاية الشهر الجاري، إلى أن «تقرير الخبير لا ينبغي أن يهدف إلى ترسيم الحدود الدولية، بل إلى مساعدة لبنان وسوريا في جهودهما للاتفاق على الحدود».
وبذلك تكون المساعي الأميركية ـــــ الإسرائيلية قد نجحت في «القوطبة» على كل تفكير في حل هذه العقدة، وصبّت ماءًَ بارداً على الحكومة اللبنانية التي راهنت دوماً على أن ما تستطيع إنجازه بالدبلوماسية ستفشل أي قوة مسلحة في تحقيقه.
مصادر مطلعة في المنظمة الدولية تقول إن كبار المسؤولين الإسرائيليين الذين تعاقبوا على زيارة الأمين العام في الأسابيع والأشهر الأخيرة، وكان آخرهم وزير الدفاع إيهود باراك، عطّلوا توصية كان سيخرج بها تقرير بان عن تطبيق القرار 1701 بنقل المزارع إلى عهدة الأمم المتحدة، تمهيداً لتسليمها إلى لبنان. إذ أكدت إسرائيل، على أرفع مستوى، أنها لن تقبل الانسحاب من منطقة المزارع الاستراتيجية لتحل محلها قوات اليونيفيل، «حتى وإن كانت قوات أميركية». ولفتت المصادر إلى أن أقصى ما قدمته إسرائيل من مساعدة هو السماح لخبير الخرائط بالاطلاع على وضع وادي العسل على الأرض، في زيارة يتيمة أسهب الأمين العام في التحدث عنها في تقريره، كما لو كانت أعظم إنجاز تاريخي في فض النزاعات.
ولكن حتى قبل صدور تحديد منطقة المزارع من جانب الخبير الدولي في التقرير المتعلق بالقرار 1701، كانت دوائر الأمم المتحدة تنتظر أن ينص بيان مجلس الأمن المتعلق بتطبيق القرار 1559، الذي نوقش مطلع هذا الشهر، على ترحيب بالتقدم الذي أحرزه خبير الخرائط، وعلى طلب من الأمين العام بإصدار توصية لإمكان إجراء خطوات تمهيدية بشأن نقل السيادة على المزارع إلى قوات «اليونيفيل» من قوة المراقبة في الجولان (أوندوف).
وكان القرار 1701 قد طلب من الأمين العام أن يضع مقترحات بعد التواصل مع «اللاعبين الدوليين المعنيين والأطراف ذات الصلة، لترسيم الحدود في منطقة مزارع شبعا». وتعدّ عملية تحديد المنطقة خطوة فنية أولية على طريق تنفيذ تلك المهمة.
هنا جاء دور الأمين العام في تأجيل الخطوات اللاحقة، ملقياً اللوم على تأخر سوريا في الرد على طلب بالحصول على خرائط من أرشيفها في رسالة بعثها قبل شهر فقط. ووضع قضية مزارع شبعا في إطار أعم يتعلق بترسيم الحدود بين سوريا ولبنان من الشمال إلى الجنوب، مروراً بالحدود الشرقية. علماً بأن الجانب السوري عبّر، على أرفع مستوى، عن قبوله بسيادة لبنان على المزارع. إذ أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد هذا الموقف إلى وزير خارجية إسبانيا ميغل أنخيل موراتينوس خلال الزيارة التي قام بها إلى دمشق في آب الماضي. فيما تحدثت كل التقارير الإسرائيلية عن أن تسليم المزارع أمر غير وارد، بحجة أنه سيعدّ انتصاراً لحزب الله.
التقرير السادس للأمين العام لم يعر هذه الوعود السورية أي اهتمام، بل تحدث عن عدم حدوث أي تقدم في المحادثات اللبنانية ـــــ السورية على مستوى لجان الحدود، في وقت قدم مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تتضمن قائمة بـ 17 اجتماعاً عقدته اللجان المشتركة على مستوى المسؤولين المعنيين لضبط الحدود.
مصادر دبلوماسية في نيويورك رأت في موقف الأمين العام تجاوباً تاماً مع استراتيجية أميركية ـــــ إسرائيلية مختلفة عن الاستراتيجية الأوروبية بالنسبة لمعالجة قضية المزارع. فالأميركيون يعارضون وضع المزارع تحت أي نوع من أنواع الوصاية الدولية، ويطالبون بترسيم الحدود اللبنانية وفق القرارات 1559 و1680 و1701، ووفق تقرير اللجنة المستقلة لتقويم الحدود السورية ـــــ اللبنانية (ليبات) في بوتقة واحدة. كما يرفضون الطروحات السورية القائلة إن ترسيم الحدود لا يمكن أن يجري على الأرض ما دام بلوغ المنطقة متعذراً بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي. فيما تؤيِّد فرنسا، ومن ورائها الدول الأوروبية، حلاً ممرحلاً وفق اتفاق النقاط السبع الذي توصل إليه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة مع وزير خارجية سوريا وليد المعلم في آب 2006.
بيد أن تقرير بان كي مون الأخير كان يقدم غطاءً للخطوات الأمنية التي تجري على الأرض، بخطوات حثيثة، والتي ترمي إلى نقل الأولوية من منطقة المجيدية جنوباً إلى القليعات والعبودية شمالاً. حيث إن لجنة الحدود الاختبارية المشتركة التي تقودها ألمانيا في الشمال يفترض أن تكون قد باشرت عملها في هذه الفترة المتأزمة سياسياً في لبنان. وستكون القوة المشتركة مسؤولة عن مراقبة الحدود الشمالية مع سوريا لمنع تهريب السلاح، معتمدة على وسائل استخبارية متقدمة وأجهزة تحليل المعلومات الاستخبارية، وعلى فرقة تدخل سريع. ويتوقع توسيع عمل هذه القوة إلى الحدود الشرقية مع سوريا في مرحلة مقبلة، بحسب تقرير الأمين العام نفسه. وقد منحت رسائل الرئيس فؤاد السنيورة الأخيرة، فضلاً عن معركة نهر البارد وتفسيراتها الحكومية اللبنانية، كل ما تحتاجه إسرائيل والأمم المتحدة والولايات المتحدة من ذرائع لتحويل الأنظار عن مزارع شبعا إلى الأماكن الأخرى.
وغني عن القول هنا إن الأولويات الإسرائيلية ـــــ الأميركية مختلفة عن الأوروبية والروسية والصينية في مجلس الأمن. فالدول الأوروبية لديها قوات على الأرض، ولا تريد تعريض سلامتها للخطر. بينما الأميركيون يسعون إلى أن تحقق إسرائيل عبر المجلس ما فشلت في تحقيقه بالحرب.
وتقف دول أخرى في مجلس الأمن، ولا سيما إندونيسيا وجنوب أفريقيا وبنما، موقفاً معارضاً لزج اسم سوريا وإيران في تقرير مجلس الأمن 1701. وتطالب هذه الدول بموقف واضح بشأن استمرار الخروقات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية والاستمرار في خرق القرار 1701 على شتى الصعد.