إبراهيم الأمين
الأيام القليلة الباقية أمام تاريخ 24 تشرين الثاني الجاري كافية لأشياء كثيرة، بينها الاشتباك السياسي الذي يقود الجميع إلى الشارع بأسرع مما يظن المتفائلون، أو لاتفاق من النوع الذي يفتح الباب أمام هدنة تطول لأشهر طويلة، أو ربما لسنوات. لكن الأكيد أن اللغة التي يستخدمها الطرف الغربي لا تنمّ عن حكمة وتعقل، بقدر ما تنمّ عن رغبة في فرض وقائع يصعب على الجسم اللبناني هضمها، مهما أكثر البعض من الحديث عن القدرة على إنتاج حل داخلي متكامل.
أمس، جاء إلى الرئيس نبيه بري من ينقل الأجواء الهادئة من قريطم. قال له غسان تويني إن نواب «الفينيسيا» كانوا متوترين ويريدون حسم الأمور، ربما هم يريدون العودة سريعاً إلى منازلهم. لكن وليد جنبلاط رد عليهم بهدوء، داعياً إلى التعقل. وأيّده في ذلك سعد الحريري، وكان البيان الذي لم يحمل سقفاً مرتفعاً. وذلك إفساحاً في المجال أمام الوساطات القائمة.
رئيس المجلس الذي يخشى على ما بقي من أيام ومن جهود، قال إنه لا يزال عند رأيه بإمكان التوصل الى اتفاق. وهو لم يكن يوافق بالتمام على ما جاء في خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله. لكنه قال صراحة لمن راجعه من النائب الحريري والسفير السعودي وآخرين، من بينهم قيادات لبنانية، إن موقف نصر الله لا يمثل في هذه اللحظة أكثر من إطار تفاوضي إضافي. لكن كل ذلك لن يفيد في كسر الوقائع غير الإيجابية التي يبرز ظاهرها في الشوارع، ولا سيما تلك التي باشرت قوى 14 آذار حشد ميليشياتها فيها، مثل بعض مناطق العاصمة حيث ينتشر العشرات من مناصري قوى الأكثرية في تشكيل، هدفه المعلن حماية مقار وشخصيات، وهدفه الآخر الاستعداد لإغلاق مربعات ومستطيلات أمنية، وفرض أطواق على مؤسسات كبيرة بحجة منع المعارضة من الوصول إليها إذا ما بدأت احتجاجات على الفراغ أو على انتخاب غير توافقي.
الموفد الفرنسي لم يحمل معه جديداً، كان يتحدث بالتفصيل مع أقطاب الأكثرية عما يمكن القيام به لمساعدة البطريرك الماروني نصر الله صفير في وضع لائحة يمكن اختيار اسم منها رئيساً للجمهورية، وهو قال للبطريرك إن عليه واجباً ومسؤولية كبيرة، وحمّله مسؤولية عدم حصول انتخابات إذا لم يبادر الى خطوة عملية باتجاه لائحة المرشحين، وصولاً الى إبلاغه بأن المجلس النيابي لن يفتح أبوابه ما لم تصل الى رئيسه لائحة تفتح له الباب أمام حل.
ومع أن صفير كان حريصاً على القول إنه مستعد لتحمّل المسؤولية، لكنه يحتاج الى دعم حقيقي، قال له كوشنير ما كان قد قاله له السفير الأميركي وباقي الموفدين من أن «العالم كله سيكون الى جانبه». وقبل أن يلمّح صفير الى أن القيادات المارونية لا تبدو مستعدة لعقد اجتماع ينتج حلاً مقبولاً، أشار الى أنه يريد من يساعده على الضغط على هؤلاء. ورد كوشنير بأن فرنسا مستعدة لممارسة هذه الضغوط. وقال كلاماً لا يعكس فهماً دقيقاً من جانب فرنسا لما يجري في لبنان، ومن النوع الذي يعكس حالة توتر إذ قال: يجب أن يفهم الجميع أننا نعطي فرصة لسوريا ولحلفاء سوريا في لبنان من أجل التوصل الى اتفاق، وإذا لم نحصل على المساعدة فإن العالم لن يقبل البقاء مكتوف الأيدي. وحتى فرنسا لن تبقى كما هي الآن، وفرنسا بعد 24 تشرين الثاني غير فرنسا قبل هذا التاريخ.
في اللقاء مع العماد عون، ظل كوشنير عاماً. هو عرف قبلاً أن عون لن يزور السفارة الفرنسية، لديه الكثير من الأسباب الأمنية وغير الأمنية، لكن كوشنير عرف أن عون لن يقبل بدفعه الى لعبة سخيفة من النوع الذي ينتهي الى أن يسحب ترشيحه لمصلحة خصومه. لكن كوشنير الذي يعرف دقة الموقف، قال إنه مستعد لأن يقصد عون في الرابية، وهو فعل ذلك، لكنه قال كلاماً عاماً مثل الطلب الى عون أن يساعد صفير والوسطاء على إنتاج الحل. ورد عون بأن الأمر بسيط للغاية، لأن المطلوب الآن هو الحل وليس الشخص. وإذا حصل أن توفر الحل فإن المشكلة لا تعود موجودة. وقال لكوشنير صراحة: أنا مرشح ولديّ برنامجي للحل، وكلكم تعرفون أن المشكلة الرئيسية تخص ملف حزب الله وسلاحه، وإذا كان لدى غيري حل يوافق عليه حزب الله فأنا لست العقبة، ولكن أعطوني الحل، أما أن يرفض ترشيحي من دون تبرير، وفقط لأن هناك من لا يقبل بي، فهذا لا يعكس واقعية ولا جدية.
ومع أن كوشنير أصر على القول إن هناك عشرة أيام كافية لإنتاج رئيس توافقي، وإنه لا بد من إيجاد صيغة مناسبة، فإن عون أبلغه ما سبق أن أبلغه إياه الوزير سليمان فرنجية من أن المطلوب إيجاد صيغة حل حقيقي وأن يكون الرئيس متمتعاً بشرعية شعبية حقيقية. وهو أمر قاله صفير في معرض إشارته الى أنه لا يمكن الإتيان برئيس من النوع الذي لا يحظى بدعم جدي من الشارع المسيحي.
لكن الفكرة الأصلية التي يعمل عليها الوزير الفرنسي وفريقه المستنفر، هي أن على الفريق المسلم انتظار صفير لأن يأتيه بلائحة قابلة للتعديل، وذلك من خلال الطلب الى صفير أن يضيف الى المرشحين الثلاثة (العماد عون ونسيب لحود وبطرس حرب) ثلاثة مرشحين آخرين يرى صفير أنهم يمثلون خطاً توافقياً، علماً بأن التداول الذي قام قبل مدة بين صفير وأطراف عدة، من بينها السعودية، ركز على أسماء من النوع التقني، وهو الأمر الذي يعيد الأمور الى نقطة الصفر، لأنه ليس بمقدور صفير أن يفرض شخصية محددة، كما ليس هناك ما يوجب على فريق المعارضة ممثلاً بالرئيس بري أن يقبل برئيس يفرضه هذا النوع من الترشيح، وبالتالي فإنه ليس بالضرورة أن تقع المعارضة في فخ ينصبه الآخرون باسم صفير، وهو ما يدعو الى التشاؤم، وهو أصلاً ما فرض رفع مستوى الضغط الذي سيكون على شكل وصول المزيد من الوفود، مثل عودة كوشنير ومعه باقي وزراء الترويكا الأوروبية الى بيروت بداية الأسبوع المقبل، حيث يكون الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى قد وصل الى بيروت، ومن ثم يتبع الجميع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وكل هؤلاء يريدون الوصول الى حل واحد: قبول لبناني إجمالي باتفاق ولو غير مرض للجميع.
إلا أن البديل الفعلي من الحل ليس أمراً سهلاً، لا بل هو قاتم وصعب، وربما هذه هي المرة الأولى التي شعر فيها الأميركيون والفرنسيون بجدية ما تفكر به المعارضة، وهو الأمر الذي يحتاج الى متابعة في ما بقي من أيام.