أنطوان سعد
يتكتم البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، وكذلك أوساطه، في شكل تام عن مضمون محادثاته مع وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير الذي اجتمع به مرتين أمس، صباحاً ومساء. واكتفى بالقول لـ «الأخبار» بعد رحيل ضيفه الفرنسي ما مفاده أن الأمور لا تزال تحتاج للمزيد من البحث والتشاور من أجل تذليل العقبات التي تعترض سبيل عملية تحقيق توافق على مرشح أو أكثر للانتخابات الرئاسية. وأضاف: «يطلبون منا أن نعطي أملاً للرأي العام، وقد نقل البعض عنا أجواء تفاؤل، لكننا لا نود أن نضع الناس في مثل هذه الأجواء طالما أن لا شيء محسوماً بعد. ولا يجوز أن نقول فول تا يطلع بالمكيول».
وخلاصة اليوم البطريركي الطويل أن الأمور لا تزال على حالها، وأن الأطراف السياسية المسيحية متمسكة بالمواقف التي أعلنتها، ولا تبدي أي مرونة باتجاه التقدم نحو التوافق. وما كان يخشاه البطريرك صفير بات مضاعفاً. إذ إنه في السابق كان يقول إنه إذا سمى اسماً خسر نصف القيادات والتيارات والشخصيات المسيحية غير أن المعطيات التي أسفرت عنها جولة الأساقفة الموارنة على القيادات المارونية في اليومين الماضيين إضافة إلى نتائج زيارة كوشنير إلى لبنان، أظهرت أنه إذا سمى سيد بكركي مرشحاً أو أكثر لرئاسة الجمهورية فسيكسب خصومة مع كل هذه القيادات، أو على الأقل مع معظمها، لأن واحداً منها فقط ارتضى، بعد بحث مستفيض، أن يلمح إلى ثلاثة أو أربعة أسماء، فيما أحجم الآخرون عن التسمية. ووصل الأمر بأحدهم إلى تقديم «نصيحة» بعدم الدخول في كل هذه المسألة.
وهكذا يجد البطريرك الماروني نفسه أمام الواقع التالي: أطراف دولية فاعلة تطلب منه بإلحاح أن يسمي، معظم الأطراف المسيحية السياسية الفاعلة ترفض أن يسمي بخلاف الأوساط المسيحية المستقلة التي تترك الخيار لسيد بكركي وتعلن استعدادها للقيام بكل ما يطلبه منها، أطراف داخلية أساسية غير مسيحية تناشده أن يسمي، وفي هذا الإطار، تأكد أن رئيس كتلة نواب «المستقبل» النائب سعد الدين الحريري لم يستشر حلفاءه في قوى الرابع عشر من آذار مما أثار حفيظة بعضهم، فيما يشير رد فعل حزب الله المتمثل بخطاب أمينه العام السيد حسن نصر الله وموقف رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الرافض للتجاوب مع مبادرة بكركي والدخول في عملية التشاور حول الأسماء أن رئيس مجلس النواب نبيه بري بدوره لم يستشر حليفيه الرئيسين قبل أن يدعو البطريرك صفير إلى إنتاج توافق مسيحي مع القيادات المارونية حول اسم أو أكثر لانتخابات رئاسة الجمهورية.
بنتيجة هذه المعطيات، هل سيدخل البطريرك صفير في عملية التسمية؟ تجيب الأوساط القريبة من بكركي بأن تعنت القيادات المارونية التي تحاول إحراج سيد بكركي وحمله على إدارة ظهره للانتخابات الرئاسية وعدم التعاطي في شأنها وتركها لهم ولمصالحهم الخاصة التي ستعرض البلد والمسيحيين لشر مستطير، تدفعه إلى تغيير موقفه المبدئي الرافض لعملية تسمية مرشحين منذ تشرين الثاني من العام 1988. ولا بد من الإشارة إلى أمثلة لا تعد خلال السنوات الواحدة والعشرين من حبريته، لم تنجح فيها محاولات إحراجه والضغط عليه لثنيه عن موقفه. بدءاً من القوات اللبنانية والعماد ميشال عون، مروراً بفترة الهيمنة السورية التي شهدت مواجهات سياسية قاسية مع رئيسي الجمهورية الياس الهراوي وإميل لحود والرئيس رفيق الحريري وحزب الله ولقاءات حمد والتشاوري وغيرها، وصولاً إلى الدعوات لإسقاط رئيس الجمهورية ومن ثم لإسقاط الحكومة بالقوة ومحاولة إحراجه للقبول بانتخاب رئيس للجمهورية بنصاب الأكثرية العادية. وفي الواقع، ثمة تبدل في الموقف البطريركي يلوح في الأفق مع بروز اتجاه لدى سيد بكركي إلى عدم إبداء رفض جازم لدخوله في عملية إنتاج اسم أو لائحة أسماء بأشخاص توافقيين لانتخابات رئاسة الجمهورية. وهذا تطور مهم يجدر التوقف عنده ملياً.
في أية حال، أمام إصرار وزير الخارجية الفرنسية على اضطلاع سيد بكركي بموضوع التسمية ومواقف القيادات السياسية المسيحية وغير المسيحية من الاستحقاق، تتوقع الأوساط القريبة من البطريرك صفير أن تتشكل اللائحة المطلوبة بالتكافل والتضامن والتشاور بين البطريرك الماروني ووزير خارجية فرنسا التي يبدو أنها حصلت على وكالة أميركية حقيقية في هذا المجال. غير أن هذه الأوساط تنقل أيضاً تساؤل البطريرك التالي: «هل سينزل النواب إلى البرلمان إذا وُضعت هذه اللائحة؟».