strong>أصدرت منظمة هيومان رايتس ووتش أمس تقريراً عن أوضاع السريلانكيات العاملات خارج بلادهن، يظهر أن لبنان والسعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، وهي الدول التي يعمل فيها 90% من السريلانكيات، تشهد مخالفات للقوانين الدولية، وانتهاكاً لأبسط حقوق الانسان. وتعمل السريلانكيات في هذه الدول في ظل ظروف عمل يمكن توصيفها قانونياً بأنها أعمال سخرة
تستدين بعض النساء السريلانكيات مبلغاً من المال يصل أحياناً إلى 22 ضعف مدخولهنّ الشهري في بلادهنّ، وبفائدة شهرية تصل إلى 20%، وذلك بهدف دخول «سجن للاستغلال» لا يعرفن فيه حقوقهن وواجباتهن، ويتعرّضن فيه للغش والخداع وإلغاء الخصوصية، في ظل افتقارهن لأبسط أنواع الحماية. هذه الكلمات يمكن أن تلخّص ما ورد في التقرير الذي أصدرته منظمة هيومان رايتس ووتش أمس، بعنوان «التصدير ثم الإساءة: الانتهاكات بحق الخادمات المنزليات السريلانكيات في السعودية والكويت ولبنان والإمارات العربية المتحدة».
يتحدّث التقرير عن 660 ألف مواطن سريلانكي يعملون خارج بلادهم، أكثرهم من النساء، و90% منهم في الدول الأربعة المذكورة (نحو 80 ألفاً في لبنان). جاء التقرير في 131 صفحة، لـ«يوثّق الانتهاكات الخطيرة التي تواجهها الخادمات المنزليات في كل خطوة من خطوات عملية الهجرة»، مستنداً إلى 170 مقابلة مع الخادمات المنزليات والمسؤولين الحكوميين ووكلاء التوظيف في سريلانكا والشرق الأوسط.

دوافع السفر

في سريلانكا، وخلال العقود الثلاثة الماضية، وصلت نسبة النساء العاطلات عن العمل إلى 68%. وتتقاضى المرأة العاملة نصف أجر الرجل للوظيفة ذاتها، علماً بأن ما تحصل عليه المرأة غير المتخصصة يتراوح بين 13 و44 دولاراً شهرياً. وتشير الإحصاءات الحكومية إلى أن 23% من العائلات تعيلها امرأة. وتذكر بعض التقارير أن 60 % من النساء في سريلانكا يتعرّضن للعنف المنزلي.
إضافة إلى ما ذكر أعلاه مما يشكل دوافع المرأة السريلانكية للهجرة والعمل في المنازل بأجر لا يزيد على 150 دولاراً أميركياً في الظروف الفضلى، فإن الحكومة السريلانكية تقدّم منحاً دراسية لأولاد النساء الراغبات بالهجرة، لما تجلبه من تحويلات بالعملة الصعبة.

قبل السفر: دعوة للاغتصاب؟

تخضع المرأة التي تتقدّم بطلب توظيف في الخارج لبرنامج تدريبي مدته 12 يوماً، ويترتب عليها دفع تكاليف الفحوص الطبية ومعاملات مكتب التوظيف، إضافة إلى رسم جواز السفر. ويضطر قسم كبير منهن إلى استدانة المبلغ الذي من المفروض ألا يتجاوز 131 دولاراً أميركياً، في حين أن مكاتب التوظيف تلزمهن بدفع مبلغ يصل إلى 295 $. وتصل الفائدة على القروض إلى 20% شهرياً. وإذا لم تتمكّن المرأة من تأمين المبلغ، يتفق معها مكتب التوظيف على تسديد المصاريف مقابل حصوله على راتبها خلال الأشهر الثلاثة الأولى، مما يشكل انتهاكاً لقوانين العمل الدولية.
من ناحية أخرى، ينقل التقرير أن 12 % فقط من النساء اللواتي يردن العمل في الخارج يعرفن حقوقهن. إضافة إلى أن عدداً كبيراً منهن اشتكين من أنهم كن قد وعدن بأجور أعلى مما تقاضينه. وفي هذا الإطار، يشير التقرير إلى أن العقود التي توقّع عليها النساء في سريلانكا تكتب بلغة لا يعرفنها، أو أن قسماً منها فقط يُترجم للغة التي يجيدونها.
وفي المرحلة النهائية السابقة لمغادرتهن بلادهن، تخضع المرأة لفحوص طبية، تُعطى نتيجتُها لمكتب التوظيف، من دون أن تطلع المرأة عليها. وخلال فترة الفحوص، تتلقى الراغبة في العمل عرضاً بحقنها بدواء مانع للحمل. وفي حال رفضها، يقال لها إن وكالة التوظيف غير مسؤولة عنها في حال حصول أي تعدّ جنسي عليها يؤدي إلى الحمل.

في لبنان: انتهاكات لحقوق الإنسان

العاملات في لبنان (والبلدان الخليجية المذكورة) اشتكى عدد كبير منهن من التمييز العنصري والجنسي ضدهن، ومنعهن من ممارسة شعائرهن الدينية. واشتكت 20 % من اللواتي قابلتهن هيومن رايتس ووتش من عدم حصولهن على كامل حقوقهن المالية.
وفي خرق لمعاهدات منظمة العمل الدولية، والتي تفرض أن يتسلّم العامل بيده راتبه بشكل دوري، يرسل العدد الأكبر من أصحاب المنازل رواتب العاملات إلى سريلانكا مباشرة، وغالباً بعد مراكمة أجور أشهر عدة، ما يراكم فائدة على اللواتي استدنّ لدفع كلفة السفر. واشتكت عاملات من حسم أصحاب العمل لأجزاء من رواتبهن لشراء حاجياتهن أو لدفع بدل الطبابة أو بدل إتلافهن لبعض أواني المنزل، أو لتأمين تذكرة سفر عودتهن إلى بلادهن.
وتعاني خادمات المنازل في لبنان (والدول الأخرى) من أن قانون العمل لا يشمل خدم المنازل. وبالتالي، فإن أجور الخادمات أدنى من الحد الأدنى للأجور، ولا يمنحن عطلة أسبوعية أو سنوية ولا توجد ساعات محددة للعمل، فتعمل بعضهن بين 16 و21 ساعة يومياً، من دون أي أجر إضافي. وقد ذكرت إحدى العاملات السريلانكيات لهيومان رايتس ووتش أن صاحبة المنزل الذي كانت تعمل فيه أجبرتها على العمل في 7 منازل. وفي لبنان، اشتكت إحدى النساء السريلانكيات من أن صاحبة المنزل كانت تجبرها على البقاء واقفة طوال الوقت.

العنف: 3 % حملن بعد اغتصابهن

تظهر مقابلات هيومان رايتس ووتش أن 20 % من النساء السريلانكيات تعرّضن لعنف جسدي، منه الضرب والحرق وشد الشعر، كما أن 13 % تحدّثن عن تعرضهن للتحرش الجنسي، و5 % تعرّضن للاغتصاب. وأفادت 3% من اللواتي قابلتهن المنظمة أنهن حملن بعد اغتصابهن.
واعتبرت 25% من النساء أن المكان الذي كانت تعيش فيه غير لائق للسكن لناحية عدم وجود مكان مريح للنوم وانعدام الخصوصية، إضافة إلى منع بعضهن من تناول الطعام.

خرق القوانين الدولية

وفي خرق للقوانين الدولية واللبنانية، يصادر أصحاب المنازل أوراق العاملات الثبوتية، وخاصة جوازات السفر. وفي هذا الإطار أظهر استطلاع للراي أن 91% من أصحاب المنازل في لبنان رأوا أن من حقهم احتجاز جوازات السفر. وأشار استطلاع آخر إلى أن 1 % فقط من السريلانكيات العاملات في لبنان قلن إن جوازات سفرهن في حوزتهن.
يشار إلى أن أكثر أصحاب المنازل يقفلون أبواب منازلهم ويمنعن السريلانكيات من العودة إلى بلادهن عندما يردن ذلك. وفي حرب تموز 2006، جرى إجلاء 5381 سريلانكياً، 93 % منهم خادمات، ونصفهن لم يكن يحملن أوراقهن الثبوتية وحرمن من قسم من حقوقهن المالية.
وفي إحدى الإفادات قالت سريلانكية كانت تعمل في لبنان خلال حرب تموز: «لم يسمحوا لي بالعودة إلى بلدي أثناء الحرب. اتصل بي زوجي وقال لي بأن أعود مرة تلو الأخرى... وقالت لي ربة العمل: «إذا كنا سنموت فسوف تموتين معنا، لا يمكنك الذهاب إلى سريلانكا».